الأربعاء، مايو 30، 2012

الدموع وحدها لا تكفي

محمود ياسين

يحتاج الناس للحوافز الأولى للثورة.

أما أن يبقى صادق الأحمر يتسلم 8 ملايين كراتب شهري، والمسلحون بإب كما هم وبنفس قوتهم وقدرتهم على نهب الأراضي، فذلك مخيب للآمال.

أول من يصادفك وأنت تتحدث عن الثورة سيمط شفتيه متهكماً وهو يرى إب كما هي إب الخائفة من نخيط مقطوع رأس يتبول على حماسة المحافظة وثورتها.

خطر لي أن أراجع باسندوة بلهجة مهذبة أوضح له فيها أهمية الشجاعة في أيام كهذه للوقوف ضد العادات السيئة التاريخية على غرار الاستمرار في صرف رواتب واعتمادات زمن علي عبدالله صالح. وأن أبذل مجهوداً هائلاً لإقناعه أن ما يقوم به ليس حكمة. إذ لم يقل أي حكيم في العالم إن الرضوخ للعادات السيئة وتحاشي إغضاب الخاطئين، حكمة إطلاقاً.

خطر لي أيضاً أن راتب الشيخ صادق 8 ملايين ونصف المليون، لأقول لنفسي: ماذا لو منحني باسندوة نصف المليون وترك الـ8 للشيخ..!

الحكاية ليست في تساؤلاتي المستعدة للفساد؛ ذلك أنني واحد من شعب لا يريد نصيبه من راتب صادق، بقدر ما هو بحاجة لعدالة الثورة الفورية.

لا تخبرني عن التغيير المرحلي، ولستُ مضطراً كواحد من أبناء هذا الشعب، لتفهم ضروراتك السياسية وهي تدفعك لتملق الخطأ والإبقاء عليه.

ولو أرجعنا الأمر للضرورات، لوجدنا أن علي عبدالله صالح كان مضطراً لكل الذي تسبب في ثورتنا عليه. ضرورات السلطة تتحول مع مرور الوقت إلى ورم ملعون في دماغ النظام، يتعذر استئصاله إلا باستئصال الدماغ كله.

إنها مشكلة واقعية السياسي الضعيف وهو يعيد إنتاج ضرورات جديدة على مقاسه، وليس على مقاس الناس. الناس، يا دولة رئيس الوزراء، المتضررون أكثر من ضروراتك وحاجتك لتملق مراكز القوى. ثم إنك حين تبكي على هذا النحو، ينبغي عليك الوفاء لدموعك كأي رجل عاطفي وشفوق اختار الانحياز للمغلوبين في بلاده.

أما أن تبكي لأجل الشعب المسكين، وتصرف الأموال للأقوياء، فهذا غير مفهوم البتة.

ذكرت دموعك يا أبا خالد، ليس من قبيل التهكم، فما أروع الزعيم العاطفي، وما أكثر وأسهل أن يأمل الناس في قلبه الطيب.

دموعك لم تكن ضعفاً بأية حال. غير أن رضوخك لتهافت مراكز القوى وإلحاحهم على ما ليس لهم، هو الضعف عينه.

إن التحجج بمقولة إن الثورة لا تملك عصى سحرية لحل مشاكل الناس بسرعة خارقة، هو حجة من أضمر الاستسلام لحاجة الأقوياء، وليس لحاجة الشعب.

لعلك قرأت أو سمعت عن زعماء منحوا شعوبهم الحوافز السريعة، وانحازوا للناس المغلوبين، على غرار سلفادور الليندي. ولماذا نذهب إلى تشيلي الليندي؟ فكر فقط في إبراهيم الحمدي الذي اختار الناس، واشترى قلوبهم مقابل ضغينة أقوياء اليمن.

لا أحد سيغتالك هذه الأيام إن اخترت جانب المغلوبين، وانحزت لفكرة صرامة العدالة، متخلياً عن ضرورة ممالأة الأقوياء إلى ضرورة اعتماد الصرامة معهم.

لا يزال الناس يتلقون دموعك ببعض الطمأنينة. هذا ثاني أكبر مسؤول في الدولة يبكي بصدق، وقد يسامحونك أو يتفهمون صرفك للمبالغ وتأجيلك للمسألة الأمنية لبعض الوقت.

لكنهم سيسأمون في النهاية. وهذه الأيام هي أيام تشكيل مستوى الثقة في علاقة الشعب بالنظام الحاكم. وقد يترتب على أسلوبك هذا شيء من القنوط في الذهن العام تجاه عملية التغيير، وتجاه أن يتواجد في الحكم رجال صالحون.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق