الجمعة، يونيو 01، 2012

عالم خرتيت

محمود ياسين

ليس بالضرورة الوجع. لقد رثينا الوطن بما يكفي ولطالما كتبنا عن الأحلام الخائبة ولا يبدو أن الحياة تلتفت لمن يتبرم ويشكو ويتعقل في النهاية معتقداً أنها الحكمة في التعاطي مع الأشرار.

بينما يمكنا اعتماد مقولة: إن الصمت يفاقم الحزن بينما تؤجج الحياة الغضب.

لم أعد اكترث لأي منطق يبقي الأقوياء كما هم, ويبقينا أصدقاء للمغلوبين نتجاذب معهم الحديث عن كيف سرق الأشرار حياتهم.

كتب الصحفيون عن علي عبد الله صالح وعن علي محسن والفساد وبشروا بالثورة وعادوا مجدداً لمجابهة غريمهم وقد تسلل من الثورة, وسخر منهم ويوشك أن يفوز الشرير مرة أخرى لنبقى نبشر بثورة جديدة قد تعيد للناس شيئاً من حقوقهم. لست قانطاً. أنا فقط لم أعد أعول على محاورة المشترك والرئيس الجديد لبناء دنيا جديدة.

إن طبعاً مشتركاً بين كل أقوياء اليمن هو الصمم وفقدان الأهلية.

وكأننا مضطرون للفشل دائماً والحزن دائماً ورثاء البلد وربما يكون عبد ربه أفضل, وربما يترشد المشترك. لا ندري أين نذهب من عيون الشهداء, تحدق فينا من العالم الآخر ونحن نسير مع قتلتهم يداً بيد, أو أننا على الأقل لم نخبر أمهاتهم بجدوى رحيلهم عن الحياة..

ضحايا محرقة تعز وجمعة الكرامة والضحايا الذين علقوا في الساحة ولم يعد لديهم ما يقومون به بعد أن تحولوا رغم حلمهم إلى حالة من اللا جدوى لا يدرون لِمَ هم باقون ولأجل ماذا.

لقد أصبح علينا اعتماد طريقة جديدة غير المناشدة والبحث عن موضوعية في حوار خطأ يقتلنا كل يوم.

كتبت البارحة ما يشبه رسالة هادئة لباسندوة في مقالة لا أظن حتى قرأها، ولا أحد يدري كيف يقتلع الخطأ من جذوره وأن تتوقف أحلامنا في حياة أفضل، تتوقف "عن التعويل على حسن نوايا المشترك".

لم نصل إلى حرب أهلية. غير أنني الآن على قناعة كاملة بضرورة فعل أعنف من مجرد مبادرة خليجية. شيء هكذا يعيد اللعبة من أولها ويصل المجتمع إلى قناعة كاملة بأن عليه أن يتغير.

نعيش حالة من الرياء، ولا نملك الشجاعة للقول إننا فشلنا وإن علينا فعل شيء.

هذه ليست نتائج ثورة، وهذه المقالات ليست ما ينبغي فعله فقط. كل شيء على حاله. الأقوياء كما هم ومغلوبو البلاد على حالهم وبنفس ظروفهم السيئة ونحن نكتب ونرى الحلم. لربما لو خضنا حرباً أهلية لكان ذلك بداية حياة جديدة بشروط أفضل.

لم تتغير أمريكا وتصبح مضطرة لاعتماد منطق العدالة إلا بعد حرب وضعت الجميع أمام خيار القبول القسري ببعضهم.

نحن قمنا بالأمر هكذا بما يشبه مغالطة تاريخية بإلحاح التغيير فوق رؤوسنا فمنحناه ثورة غريبة، غير صالحة للاستخدام الآدمي.

لا توجد لدينا قوائم بأسماء القتلة، ولا نملك دليلاً واحداً على أننا قد عفونا عنهم كمنتصرين.. لا أرى بريقاً في عيون شباب الساحات باعتبارهم حصلوا على نصرهم.

أمهات الشهداء لم يمتلئن بشعور التكريم الوطني، وهايل سلام حزين يحاور التعقل في حلبة بلد نسيت اسم ابنه الشهيد. لم نقم لهم نصباً تذكارية، وبدأنا من جديد نرثي الوطن والحلم المسروق قليلو حيلة جلبوا لنا مبادرة ورجال دولة ليسوا صالحين.

في مسرحية جورج أوريل (حديقة الحيوانات الثورية) وبعد أن ثارت حيوانات المزرعة على البشر. وفي نهاية المسرحية تلصصت بعض الخرفان على الخنازير التي تتفاوض مع أعداء الثورة ممثلة للحيوانات.

استغربت الخرفان من عدم قدرتها على تمييز الحيوانات عن البشر. كانت الخنازير التي تمثل الثورة جالسة على طاولة المفاوضات مرتدية البدلات وربطات العنق.

تمضي الأمور الآن باتجاه المواربة والقِمْر ومحاولة إقناع أنفسنا بنجاح الثورة، أن لا تقتنع وأنت تشكك يعني نبذك واتهامك وإقصاءك.

في مسرحية (الخرتيت) ليوجين يونسكو. رضخ الجميع لوجوب الاقتناع أنهم خراتيت ليتعايشوا مع القطيع وليتحاشوا أن يتم دفعهم للبقاء كمنبوذين.

باستثناء شخص واحد بقي يصرخ:ـ

سأبقى الإنسان الوحيد في هذا العالم الخرتيت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق