السبت، يونيو 02، 2012

يحتاج الصحفي للحقيقة والنقود أيضاً

محمود ياسين

نعمل في ظروف سيئة للغاية – ومضحكة. يكفي أن تعرف يا عزيزي أن الصحفيين لدينا أكثر الناس اقتراضاً وأكثرهم مماطلةً للدائنين.

صديقي اخترع طريقاً إلى بيته لا يمر منه إلا الدجاج والفئران؛ ممر بين عمارتين يملكهما شخصان يطلقان النار على بعضهما كل مساء من النوافذ.

وهذا الممر الذي يتسلل منه الصحفي هو موضع الخلاف بين العمارتين. يكتب رأيه بشجاعة تصل حد التهور، ويتجول في الصحافة وبيده ساطور يتحاشاه أقوى أقوياء البلد، وحين يتذكر المؤجر يمتقع وجهه وتهبط دورة دمه ويتذكر الشاعر محمد حسين هيثم ويردّد معه:

كان يحصي المذلات.
أعداؤه ثلةٌ
رجل غامضٌ في الجريدة
بقال حارته
بائع اللحم
وابن المؤجر في أول الشهر
وابن المؤجر في آخر الشهر
ثم المؤجر في كل رشفة ماء.

نسمع أن توماس فريدمان وقع بالأحرف الأولى عقداً للكتابة في النيويورك تايمز بعائدات سنوية تجعلك تتساءل: (من كم الصرف؟) نحن نكتب هكذا بلا عقود ومحمد عايش يخبرك كل يوم أنه وقع الكشف وتعود خالي الوفاض وتفكر في الكشف باحثاً عن أصل تسميته وتقول:ـ لماذا لا يسمونه قائمة المكافآت؟

لا يعنيني المال كثيراً – رغم حاجتي له على الدوام، وتعايشت مع غيابه وانتقمت منه مراراً ذلك أنه لا يأتي إلا وأنا في كامل حقدي عليه وضغينتي فأبدّده، وأبادله وأشتري أشياءً لا أحتاجها، وأفكر كأي صحفي يمني، ليس في طريقه لمراكمة النقود ولكن في طريقه للحصول عليها وتبديدها..

لم أعد أحب الحياة على حساب سرديات المثقف الذي يربط ذكاءه بشظف العيش، ذلك أنني أرى الفقر ابتذالاً ومناهضاً لفكرة الجمال، ولقد اكتسبت مهارة الحياة المعقولة بالمال وبدونه. غير أن الأمر يبقى هنا في لفت عنايتكم إلى أنه لا فروق كبيرة بيننا كصحفيين مستقلين تماماً أو منحازين لإحدى الجماعات. ذلك أن المنحازين أيضاً يعانون، ذلك أنهم يحصلون على الفتات. وفي أحسن الأحوال قد يحصل أحدهم على سيارة ثم يتورط يومياً في البحث عن ثمن البنزين.

ويخبرك أحدهم أنه كان يقرأ لك ولا يدري أن مصادفةً قد تصدمه وهو يراك تلاحق أمين الصندوق بحثاً عن بدل إنتاج فكري بقيمة خمسة آلاف ريال. ناهيك عن أن يكون أمين الصندوق هذا كسولاً يرمي لك مكافأتك من النافذة صارخاً:ـ القطها يا أستاذ (حفظ المقامات مهمّ حتى أثناء رمي المكافأة)، وتطايرها بين بُودي هايلكس رايحة الحتارش وموتور أخذ معه ألف ريال التصقت بصدر السائق، فلا تدري إلا وقد تركت الألف لصاحب الموتور وقد ركبت خلفه ليحملك بالألف لتلاحق الهايلكس إلى الحتارش.

لا أدري كيف أصبحت هذه الحكايا مدعاة لتردد أحدنا في سردها، وكأن القراء يعتقدوننا بلا متاعب، وهذا يحدث لماماً والتقدير نحصل عليه في كل الأحوال حينما نحتفظ بقدرتنا على كشف الأكاذيب ونتعلم مع مرور الوقت أسلوب الارتجال مع النقود والمواقف والبحث عن تسوية مع بلد هكذا، يدكُّ شهيداً وشريفاً وبلا عثرات ولا مآزق مالية. لا يستقيم الأمر البته.

ذلك أننا لسنا جميعاً مراسلين لوكالات أنباء عالمية.
حتى هؤلاء يعانون أحياناً، باستثناء حمود منصر الذي ينتقم لنا جميعاً من بخل الصحافة وينتزع منها ما يجعله الدائن الأول لأغلب الصحفيين.
ذلك أننا عندما نلمح قلق زميل من ضغط مالي نبادر بنصحه:ـ اتصل لحمود.

Facebook

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق