الاثنين، يونيو 04، 2012

مسؤولون في صنعاء وفراشون في بابك

محمود ياسين

أذكر قريتي "الدنوه" – أذكرها الآن – يفر المرء إلى حيث يمكنه التجول بذاكرته حراً وخفيفاً ومراهقاً لديه كتب وحلاوة روح وليس مضطراً للتفكير في اللجنة الخاصة.

لم أكن لأقع في هذا المأزق الذي هو خليط من الاستياء والحيرة تجاه ما ينبغي عليّ فعله بطابور اللجنة الخاصة وكشف مرتبات المشايخ والحزبيين من السعودية.. وبدلاً من رثاء السيادة الوطنية في سوق بيع الولاء المعترف به من كل الأطراف بدلاً من ذلك مضيت أفاضل بين راتب شيخ وراتب حزبي وكيف يسمح سياسي ما ببيع ولائه مقابل ثلاثة آلاف ريال سعودي.

وكأن الذي يتسلم الملايين مقابل ولائه أجدر بالاحترام. وجدت أيضاً اسم التجمع اليمني للإصلاح ولا أدري كيف يسمح حزب كبير لنفسه بتسلم مبالغ من دولة خارجية!!!

ما نشرته صحيفة الشارع جعلني استعيد كل إساءات المملكة وتعاليها وهذا التكبر المقرف من بلد يمكنك تعريفه على أنه التخلف – التخلف في ذروة حضوره التاريخي.

منذ الستينيات والمملكة لم تجابه أي حالة راشدة قوية في الشرق الأوسط تلفت انتباهها بقوة لوجوب التزام اللياقة.

وبقيت هكذا تبيع النفط وتشتري الأرز والولاءات وليس هناك ما هو أخطر على المنطقة من تخلف يبيع أثني عشر مليون برميل يومياً.

وأن يتورط أحدنا في كراهية كيان بحجم السعودية فذلك غير عادل البتة وأكبر من طاقة إنسان كان بوده لو يعيش في بلاده راضياً بالفساد السياسي ومتعايشاً مع المتخلفين. ولكن الحياة برفقة دائرة عمالة تدير البلد فذلك أقسى من أي إهانة قد يتعرض لها الكاتب طوال حياته..

قبضة المملكة أقوى من نزاهة الحالمين في هذا البلد. في اليمن تنتعش السعودية ويضمحل سامي غالب ويتأزم الثوار واستوحشت أنا من الإصلاح ويبحث ماجد المذحجي عن تسوية يومية مع حياته المتعذرة على القبول.

رواتب بعضهم بالملايين ومنهم قادة في هذه الثورة وصائدي فرص وأناس ليسوا أشراراً تماماً. أناس على قدر من الدماثة ويعلنون مواقف وطنية وينضمون للأحزاب ثم ينفصلون.

أناس لا ندري ما الذي نفعله معهم أو بهم. يقومون بأشياء صائبة ويرسلون لك تحيتهم ويتصرفون بوطنية وينجبون الأطفال ويتسوقون ويحبون اليمن. ولا يكتبون رسائل وتقارير بالحبر السري وليس لديهم أجهزة من ذلك النوع الذي يستخدمه الجواسيس لكنهم عملاء. كم طاقة أحدنا ليكره كل هذا العدد من الناس وما الذي ينبغي استخدامه من كلمات وشروح لتعليم الناس بهول الأمر وفداحته ونجاسته, وإن المشاكل البديهية في العالم كله ومنها (نظام العمالة) تصبح في بلادنا عادية نظام عمالة يظم متنفذي البلد من الرئيس السابق مروراً بجنرال الثورة الذي وضع أمام اسمه مبلغ خصص منه عشرة ملايين لمحاربة الرافضة وانتهاءً بأصغر شيخ وحزبي.

هل نحن في المجموع النهائي نشكل حالة تاريخية غير مسبوقة لضمير وطني فاسد؟ تصور بلداً بأسره كله متواطئ على التخلي الطوعي عن السيادة.

أظننا متعبون أكثر مما ندري شعب منهك ومستنزف لدرجة تخليه عن سيادة بلده مثل معتوه ينال الناس من أمه وهو لا يشعر بالانتهاك.

لن يحدث شيء سيضلون في صنعاء ويتسلمون رواتبهم كما هي ونضل نحن حاقدين لا ندري ما الذي نفعله وقد نتعايش بمرور الوقت مع هذه القذارة.

ما الذي يتبقى لديك من كرامة وطنية وأنت تجد اسم ابن رئيسنا الحمدي وهو يتسلم خمسة آلاف ريال شهرياً  من قاتل أبيه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق