الأربعاء، أغسطس 15، 2012

ألا يزال هناك متسع للفرح؟


محمود ياسين

الحزن حميم ومؤثر وفخ، ذلك أن حزنك يعتادك ويشعرك بالمسؤولية تجاه وجوده، لذلك تقبل الحزن وتتواجدان معا، ويصل بك إلى تلك المرحلة التي تتحلى فيها بأناقة الحزن.

على أن الإنسان الحزين ممتلئ ورثائي ومنحاز لكل ما هو ضعيف ويتيم.

ومع مرور الوقت تعطب أجهزة الفرح داخلك، ويفقد جهازك العصبي ثقته بالنزق وحلاوة الروح. وكأن أحدنا لا يكون حقيقيا ومثقفا ممتلئاً إلا بوصفه مثقلا بألم الرؤى الرثائية لعالم يصفه الحزانى بالعالم المغلوط، وكأنه مواجهة بين الإنسان ومغلوطية عالم بأسره.

وكم تكون أنت لتجابه هول انحراف العالم من مكانك في فخ الحزن والرثاء الممتلئ.

لدي أصدقاء ليسوا عميقين، ويستجيبون لتفاصيل الحياة بتلقائية من يفرح ويحزن ويعطش ويود لو يحصل على النقود والنساء، ويمضي حياته تواجدا، بينما نحيا نحن على سرد حياتنا وليس ممارستها.

أذكر أنني كتبت مرة "لم نعد نعطش"، وكنت ساعتها أفكر في الفتيان من أسرتي وهم يصخبون ويود أحدهم لو كان صحفيا مشهورا يحرج الرئيس في المؤتمرات الصحفية، ويدفع الأسرة لمربع النفوذ، بينما يكون جذلا بمفاخرة الأسرة بكونه ابنها المدهش.

بينما تحول أي من هذا كله لتهديد يومي لحزني الحميم واستماتتي على التعالي ودفع مظاهر التفاهة بعيدا.

ويمسي أحدنا عالقا في التهويمات والمران الدؤوب على الامتلاء، بينما تريد الحياة تقديم مسرات، وليس عملا شريرا يسعى لإلغاء الراهب الذي يقطن داخلك منذ تثقفت وتعلمت كيف تفخخ مسرات الحياة بوصمها بالسطحية والتفاهة.

جرب أن تدع للتأنق داخلك أن يتنقل بين المحلات ويرتدي الجاكت الأسود على البنطلون الجينز المنسجم مع الأسود، دع له الذهاب إلى الحلاق ليقص شعره تايسون، ويبدو حبوبا وقابلا للاحتضان والإغواء.

رثاء الخسارات ومغلوطية العالم وافتقاره للعدالة يتحول إلى إدمان، ولا يعود بوسعك التواجد بغيره.

مثل العزلة وزاوية التقاط الصورة لك وأنت تحدق في الأفق نزيها وحزينا لا تريد شيئا ولا تتنازعك رغبة ولا جشع. صورتك من تلك الزاوية ربما تمر بذهن فتاة حزينة تلمح جانب توحدك، وتحسك مؤثرا كأي خاسر رومانسي، غير أن حياتك بالمقابل تتسرب من بين أصابعك، وحين تمر السنون تتساقط الأمطار على تلك الصورة، وتبهت، وتجد تلك الفتاة حبيبا، وتجد ذاتها منغمسة في صخب المسرات، وتقوم بين النساء وترقص دون أن تمر بها صورتك وأنت مؤثر وخاسر رومانسي.

سيكون وجودنا بهذه الصورة ضروريا للهائمين خارج الدنيا اللاذعة، نصلح كعزاء للخاسرين، وتفسيرا حاذقا لحياة تتحطم، بينما يتجول فتيان ما بعمرهم الغنائي، محدثين نغمات أولية في حالة رقص متواطئ مع وعود البهجة والنساء والأنفاس المتلاحقة.

وحين يخفق أحدهم ستكون أنت جاهزا لتقول له إن الوجود الإنساني كارثة.

أذكر أن أرنست هيمنجواي في رواية "الشمس تشرق أيضا"، نبه إلى فكرة كيف يذهب الرجل إلى الموت دون أن يقع في جحيم فعلي، وأن يتصرف طوال حياته كخاسر ومحتقر، وكدمية لا قيمة لها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق