الجمعة، سبتمبر 14، 2012

حق من السمن؟


محمود ياسين

نمضيها أياما مع الأشياء العرجاء، ونحاول التمسك بقدرنا المتفائل حتى لا ننقرض.

لدينا نقص واضح في المعلومات أيضا، وها نحن لا ندري على وجه الدقة هل نرفض المبادرة الخليجية الآن؟

أسمع عن إعدادات لتظاهرة مليونية تطالب برفع الحصانة، وأقول من يا ترى غير اللجنة التنظيمية يمكنه دفع مليون رافض إلى الشوارع؟

أنشطة منفردة لحالة واحدة من ضياع الطريق، وكأننا ذلك الذهن القروي الذي يردد: "قد إحنا بالوسط".

نحن وسط فشل حكومة الثورة، ولا نريد أن نشمت بنا الأعداء في زمن تراجع حماسة الربيع العربي في كل دول الربيع، وللدرجة التي أصبحنا نراقب مذابح سوريا بقدر غريب من اللامبالاة، وكأننا نعاقب أحلامنا وحماستنا بهذه اللامبالاة تجاه كل شيء.

يقال إن اليأس يفضي لأكثر الأوضاع سوءاً، وها نحن نمضيها أياما لا ندري ما الذي بوسعنا فعله إزاء سعي الحوثيين والإصلاحيين لتوسعة مجال المواجهة من الخنادق المعروفة في بؤر المواجهة، ونقلها إلى تعز، ونحن نسمع الأخبار، ولا نجد في أعماقنا ذلك الوهج الذي يدفع بالكاتب للاعتقاد أن بوسعه الحؤول بين الجماعتين وذبح الناس.

لقد فرغ مكان علي عبدالله صالح، وكأنه أفرغ كل قلب في اليمن، ودفع الجميع لمحاولة زحزحة الجميع، وها نحن في مواجهة بين جميع اليمنيين، والنخبة مسترخية تماما.

لطالما رددت هذا الكلام عن أننا كنا كتلة واحدة بوجه صالح، وما إن رحل حتى فقدنا ما نواجهه، عدا توجسنا من بعضنا.

أنا هنا أكتب عن "اللا أدريه"، وعن اختلاط الأوراق والناس والخيارات والصدامات المجانية.

أرى المتسولين في الشوارع، ولم يعد لديّ علي عبدالله صالح لأصرخ فيه: "اخرج إلى الشوارع لترى شعبك ذليلا في الجولات"، وأراقب المسلحين، ولم يعد لديّ ذلك التصور الواضح ضد المشائخ ومرافقيهم، فلقد تسلح الجميع ولو نفسيا.

على من يصب المرء غضبه لأجل العاطلين والمظلومين في السجون وقتلى الأراضي بإب، وكنا قد اعتقدنا ووعدنا الناس أنه برحيل صالح سترحل كل متاعبنا معه، لكن الحياة لا تزال منغصة، وضاع المسؤول عن هذه المنغصات في زحمة الأطراف المتصارعة، وفي زحمة ارتباكنا ككتاب، وارتباك جيل الثورة كله.

لا أسوأ من أن تخسر التفسير المعقول لمرض بلدك، ناهيك عن مرضك الشخصي وهو يبدأ من خسارة بعض زملائك وقد استقطبتهم الجهات، مرورا بخسارة ذاتك النقدية التي لم تعد تدري من تنقد بالضبط.

وفي حال انحزت إلى جوار المغلوبين بعد الثورة، سيكون "ضد من؟" السؤال المرير الذي يتبادر إلى ذهنك وأنت ترى خيانة الشهداء وخيانة الحالمين، وخيانة الربيع اليمني برمته، لتسأل من جديد: "لكن من الخائن؟".

كان أحد المسافرين على طيران "اليمنية"، قد ارتدى بدلة أنيقة وغالية الثمن، جمع قيمتها بجهد سنة، وفي الطائرة كان هناك فوق رأس الراكب الأنيق جمنة سمن بلدي في متاع أحد المسافرين، تنطف السمن على بدلة المسكين، وكلما اكتشف بقعة داكنة على بدلته، التفت إلى الخلف صارخا: "حق من السمن؟".

على سلم الطائرة انبعثت رائحة السمن البلدي من بدلة الرجل، ومن حلمه بالأناقة، بسبب تعرضه للشمس، فالتفت من أسفل السلم، وصرخ بحنجرة أليمة: "حق من الساااااااااااااااااااامن؟".

لم يتفوه أي منهم بكلمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق