الجمعة، سبتمبر 14، 2012

حتى لا يتحول الحوار الوطني إلى غاغة


محمود ياسين

أن يقترح البعض في لجنة الحوار 3 آلاف مشارك في حوار هو ما لدينا الآن لتخطي جملة المآزق التي ستتحول بين الـ3 آلاف إلى ما يشبه احتفالية إعلان المؤتمر الشعبي العام بداية الثمانينيات، ولذلك ظننت المقترح الرقمي هذا اقتراحا مؤتمريا يسانده إصلاحيو اللجنة الفنية، فكلاهما من مدمني إفراغ القضايا في ضوضاء الحشود.

ثمة تقاليد فنية عالمية بشأن هذا النوع من الحوارات التي تسعى لإنجاز تسوية ما، وليس الغرض منها إشراك أكبر عدد من الناس وإشعارهم بالأهمية، وكأن أصحاب مقترح الـ3 آلاف مشارك يتمتعون بنفسية الرئيس علي عبدالله صالح، وهو يشرك أكبر عدد من الناس لكي لا يشرك معه أحداً في حقيقة الأمر.

كان ناقص يحاول المدافعون عن اختزال الشعب في 3 آلاف شخص راضين ومهمين، كان ناقصهم يكتبوا بند المشاركة في الحوار هكذا: دعوة الوجهاء والمشائخ والأعيان والشخصيات الوطنية.

سيكون الحوار بين 3 آلاف مجرد "غاغة"، وسنسمع تصفيقا كثيرا، ونصادف مرافقين من الأرياف والبلدات يبحثون بعد المغرب عن بوفيات فيها تلفزيون صافي يرون فيه صاحب بلادهم بالتلفزيون، وهذا النوع من الأجواء التي صاحبت أغلب الأنشطة السياسية من هذا النوع، حيث نتابع وجوها تتعرق في حشد يتلقى الكثير من الخطابات والكلمات المؤثرة عن اللحمة الوطنية.

هذا حوار جاد حول قضايا خطيرة، ويفترض بالمتحاورين خوض جدل ونقاشات مستفيضة بين متحاورين لدى كل طرف منهم جملة رؤى ومواقف وقضايا بعضها غير قابلة للأخذ والرد، وبعضها قابل للتسوية ضمن تدافع مضنٍ يتعلم فيه اليمنيون كيف يجابهون بعضهم على طاولة الحوار بدلا من الخنادق.

يقال إن ممثلي بعض القوى بدأوا بألف ثم ألف وخمسمائة، فقامت توكل كرمان بدفع المزاد إلى 3 آلاف، وكأنها بحاجة لمؤتمر الحوار لإزالة اللبس بينها وبين عدد كبير من شباب الثورة.

وهكذا، وفي حال مضت الأمور على هذا النحو، سنكون قد أهدرنا واحدة من فرصنا التاريخية على تحاذق الاسترضاء، وبدلا من نجاح الحوار الوطني في لجم الأخطاء، وتحديد مسؤوليات الأطراف الممثلة بعضها في تكوين اللجنة، سيكون الحوار أداة لتضبيب هذه الأخطاء، ويشبه الحوار أقرب لكرنفال تطهيري لبعض القوى المشاركة.

هذا العدد الكبير لا يعني تمثيل كل الأطراف في اليمن، بما في ذلك السود مثلا، ولا يسعى مقترحو الرقم 3 آلاف لهذا، والمسألة بسيطة للغاية؛ تحتاج فقط لتحديد فكرة الكل كمبدأ وتمثيلهم جميعا كمعنيين متضررين أو أقوياء لديهم معضلة في الوصول مع بقية البلد لتسوية، وليس الأمر في إشراك عدد كبير من يحتاجون لتعزيز ثقتهم بأنفسهم.

يجب إشراك الجماعات المهمشة، وليس الأفراد المتحاذقين الذين سيعتبرون عدم استدعائهم هذه المرة تهميشا، والذين أدمنوا مغادرة تجمعات اليمن، ووصلوا صنعاء باحثين عن غرف بفنادق شارع تعز، كما اعتادوا، وكما اعتادت النخبة الحاكمة إشراكهم.

أظن الرقم 200 الذي اقترحه ممثلو الأمم المتحدة، معقولا للغاية، ومجديا، لكن، وبما أننا لا نزال حديثي عهد بالجدية، يمكن القبول بالـ400 الذي يحاول أعضاء اللجنة الفنية من خارج "البروتوكول التاريخي" اعتماده كعدد للمشاركين في حوارنا العظيم. هذا أظنه معقولا حتى لا يتحول الحوار إلى جلبة ليست تاريخية بالمرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق