الاثنين، سبتمبر 10، 2012

مأساة قحطان


محمود ياسين

ألمح في نشرة الأخبار كبار ضباط الداخلية، وإلى جوار الوزير قحطان، وهو يطل على الشعب بشاربه الأبيض وبدلته العسكرية، وهو يناقش لأجل الشعب، ويعدهم بحظر السلاح.

يعرف قحطان أن السلاح في صنعاء أقوى منه ومن داخليته الواعدة، ولطالما قدم أكثر من وزير داخلية هذا العرض المدهش، وناقشوا حظر السلاح في المدن، ولم تيأس الداخلية منذ الثورة وهي تكرر هذا النوع من الوعود التي لم يطلبها أحد لا من الوزراء السابقين ولا من قحطان، ذلك أن شعبنا يدرك أن قحطان يناقش حظر السلاح، ولا يمكنه حماية مبنى وزارة الداخلية من اقتحام المسلحين.

هناك أكاذيب منغصة في هذه الحياة، وأداءات رسمية تذكرك بطعم الترنج، وهو "الترنج، يدعي أنه فاكهة، إنه يشبه الحبحب من الخارج، غير أن داخله أبيض، وطعمه مثل الإسفنج، ورائحته مثل القاز".

كان يكفي أن يقول أحدنا إن الرسميين يصبحون مملين فور ظهورهم في النشرات الرسمية، وكذابين أيضا، مطمئنين لكوننا نعرف أنهم كذابون، ونغفر لهم، فيقدمون بوتيرة متكررة هذا النوع من أخبار نشرة التاسعة، تاركين للمذيع ترديد ذات التقرير عن الاجتماع الأمني الذي دشن به عبدالله حسين بركات أطول وعد في تاريخ أشهر وزير داخلية يمني.

وكلما وصل خبر من وكالة "سبأ" عن اجتماع لقيادات الداخلية والأمن، صاح معد النشرة هاتوا التقرير، حتى إنهم لا يراعون إعادة تصويره بورق جديد، لذلك أصبح تقرير حظر السلاح يشبه بصيرة تحت مخدة عجوز.

في البداية قلنا ها قد حصلنا على وزير متمكن بلا ضغوط ولا تدخلات رئاسية، وسنحظى بتواجد أمني معقول، مدركين أن حظر السلاح مستحيل، غير أنه ترك الممكن، وراح يناقش المستحيل الذي لا يكلفه شيئا في واقع داخلية تنتمي لزمن الجماعات المسلحة، ودخولها كإعلان رسمي لانتقال خطر السلاح الى مستوى يتجاوز المشائخ ومرافقيهم، إلى جماعات ترى بعضها في عبدالقادر خصما، وليس وزيرا.

لقد فشل قحطان بجدارة، وتبين لنا حتى الآن أن إدارة الإنتربول لا تكفي لاختبار العنف وإدارة السلم الاجتماعي، ونحن نعرف أنه لا يسعه فعل شيء، اللهم إلا محاربة قطاع الطرق الذين يعملون منفردين في اختطاف السيارات، وملاحقة لصوص الحارات.

هو وزير في زمن مختل أمنيا، وبما يشبه الاتفاق الضمني بين الأطراف على الاختلال، وكان عليهم جلب جنرال أمني مستقل لداخلية ما بعد الثورة، داخلية التوافق المضطرب التي لا تستقيم لوزير محسوب على الإصلاح لا يمكنه اتخاذ تدابير ضد مسلحي حزبه، ويجفل من مجرد التفكير بملاحقة المسلحين الحوثيين في صنعاء.

ثمة وزارات، على رأسها وزارة الداخلية، لا تصلح لإدماجها في الحالة التوافقية القائمة، وكان الأجدر بهم التوافق على حياديتها وإبقائها بعيدا عن تلامس الأقوياء، لتبقى هناك مستقلة ومتخصصة، وقد يبدو هذا تجديفا، غير أن حفظ الأمن الداخلي ليس مهمة قحطان الآن البتة.

يشبه قحطان في ذهننا قبل أن يصبح وزيرا، أحد محاربي الساموراي الملثمين، غير أن الداخلية كشفت لثام الخطورة، وبدا أكبر سناً وأكثر وهناً، تشاهده في نشرة التاسعة، فيتبادر إلى ذهنك شيء واحد هو الانفلات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق