الأحد، سبتمبر 23، 2012

بداية الحرب القذرة


محمود ياسين

بدأت حرب المساجد، والرئيس هادي ولا كأنه الرئيس.

لم يعد مهماً الإشارة هنا والتذكير بأننا لطالما حذرنا من حرب الحوثيين والإصلاحيين، وكيف أن سروال عاهرة سيكون أشرف من هذه الحرب.

لست معنياً هنا بمن بدأ ولا من قتل بالتحديد قيم جامع بعمران أو خطيب جمعة.

هذه حرب قذرة يحاول فيها الحوثيون مد نشاطهم وتواجدهم عبر جملة أدوات سيطرة؛ تبدأ من السيطرة على المساجد، وكأنني ملزم هنا بالرضا عن جماعات الإخوان المسلحة باعتبارها حائط صد ضد المذهب الحوثي.

كلاهما يعتمد على السلاح في تحديد نمط حياتنا ومستقبل البلاد برمته.

وستكون الأيام القادمة تحت رحمة صراع التحالفين: التحالف الأول الذي أصبح جاهزاً وقيد الفعل، ويضم الإصلاح ومحسن والرئيس هادي المفترض به أن يكون رئيساً، وليس متحالفاً مع أحد، والثاني بدأت ملامحه تتكون كتحالف مضاد، يضم مغامري المؤتمر، وما تبقى عموماً من نظام الرئيس السابق، مضافاً إليه الحوثيون كجناح عشاري مقبول وبديل لعسكر الرئيس السابق.

نحن شعب عاثر الحظ، وجد نفسه هكذا أمام بوابة الكوارث الإقليمية وهي تمارس صراعاتها على رؤوسنا ضمن حالة لا مسيطر عليها، يجد فيها الأطراف أنفسهم مضطرين لرهن مصير البلد عند السعودية أو إيران.

ما شأن الناس بحاجة السعودية لصد الزحف الإيراني الشيعي في جبال اليمن، ناهيك عن استعذاب الحوثي لهذه الفكرة، وربطها بالإصلاح.

لقد شاركوا في ثورة، وانتخبوا رئيساً جديداً، وليس بوسعهم احتمال هذا التخلي الرئاسي عنهم لصالح اقتتال مجاميع تحاول إعادة تقسيم ميراث الله كمهمة معلنة، بينما هي في حقيقة الأمر تقتتل على اقتسام تركة الرجل المريض.

اليمنيون متعبون إجمالاً، ليسوا شيعة ولا سنة، بقدر ما هم متضررون بحاجة لرئيس يتشيع لهم، وليس لأي من الأطراف.

كيف يفكر الموقص الذي قتل قبل أسبوعين، بشخصية الرئيس هادي، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وحيداً بلا جماعة ولا قبيلة ولا دولة.

يتحدث أحد الأصدقاء عن فشل صلاة الجمعة أمس، بأحد جوامع صنعاء، بسبب الهتافات الحوثية وهتافات مضادة، ويهمس في آخر الأمر محذراً من استهداف الشوافع. منطق ساذج.

مع أن الرعب القادم ليس تطهيراً مذهبياً، ولا يجدر بنا الخوف على شعائر السنة، بقدر ما هو الخوف على حياة الناس. والحوثيون هنا جماعة مسلحة تسعى للسيطرة على حياتنا بالعنف، وليس ببشارات ظهور الإمام الغائب.

ولأننا بلا رئيس ولا دولة، سيرضى بعضنا بحماية الإصلاح وصده للحوثيين، ليس بتعبئة الناس ضد الأعمال المسلحة، ولكن بمقاتليه الذين يفرضون علينا هذه الحماية.

وكأننا في ساحات قتال جيوش عرقيات أوروبا عصور ما قبل الدولة. ولماذا نذهب إلى أوروبا؟ لقد حولت شراسة العنف الإثني العرقي، بعض شعوب أفريقيا إلى أطراف في مذابح واسعة النطاق، كان من الممكن حصارها في البداية، غير أن خطر هذا النوع من الأعمال يكمن في قدرة العنف المذهبي الطائفي على توريط البلد كله في الاقتتال. إذ يجد أغلب الناس أمنهم في الانتماء لأحد الأطراف، والانخراط قسراً في دفع آلة العنف الرهيبة.

ربما لا يكون هادي على كل شيء قديراً. غير أن بوسعه إظهار هذه المسؤولية الآن من خلال تحريك وحدات الجيش التي تحت سيطرته، وفرض وجود الدولة، وحمايتها لمناطق التماس بين القوتين. القوتان اللتان لا تملك أي منهما حق تمثيل طرف شعبي يمني مذهبي أو مناطقي، ولا تمثل بهذه العمليات العنيفة دفاعاً عن شيء عزيز أو ثمين في حياة أي يمني.

فالذي قتل خطيب الجامع بعمران، ليست الزيدية بصورتها الحديثة، والذي اشتبك معهم ليس في مهمة شعبية من أي نوع.

إذا كان هناك من ينبغي عليه صد الحوثيين، فليكن الدولة، وليس مقاتلي الإصلاح، وليس من الحكمة أن يقدم الإصلاح للحوثي المعركة التي يريدها.

ونحن في وضعية كهذه تتوحد قوة مخاطر الأطراف بوجهنا كعزل، وتحاول جرنا إلى خياراتها المضرة.

وهكذا نقع بين قوة طامحة تريد مدّ وجودها بالسلاح، وقوة أخرى كلفت نفسها بمهمة الصد.

وهذه واحدة من مخاطر هذه المرحلة حين يدور الرئيس حول نفسه، تاركاً للجماعات القيام بما كان ينبغي عليه القيام به.

في الأيام القادمة سيلتفت اليمني بين القوى مذهولاً لا يعود بوسعه التمييز بين من يدعي حمايته، ومن سيقتله آخر الأمر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق