الاثنين، سبتمبر 17، 2012

تصفية زعيم العصابة


محمود ياسين

يحدث هذا في عصابات المافيا وهي تصل لمرحلة الحاجة لإقالة زعيمها حفاظاً على العصابة بالدرجة الأولى.

كان علي عبدالله صالح قد بدأ يصبح عبئا على عصابتنا التاريخية، وجاءت الثورة لتمنحهم التوقيت المبرر للتخلص من قيادته، وبرعاية من الراعي الرسمي لها. إذ بقيت السعودية ترعى مستوى التناغم العضوي لهذه العصابة، وأشرفت في النهاية على نقل السلطة من يد الزعيم إلا المجموعة، دون الحاجة لأب روحي جديد، بسبب افتقارهم جميعا للمزايا الكاملة التي كان يتمتع بها زعيم لطالما بقي ملبيا لمتطلبات زمنه وملائماً له.

يدعون في المافيا للزعيم حقه في الموت بسلام، غير أن صالح مؤخراً بقي حالة معلق. يتواصل مع ما تبقى من منابع قوته، ناهيك عن القلق من وجوده كإنسان، فخلصوا لوجوب تصفيته جسديا ضمن منهجهم في حسم الأمور المعلقة. وأنا هنا أحيل على ما نسمعه عن تصريحات بعض رموز العصابة، وما تنقله إلينا المصادر، ليأتي تصريح اليدومي لبرنامج "بلا حدود"، ليضع ذلك كله في تصور واحد لكونهم قد خلصوا لوجوب تصفية صالح، ليتمكنوا من التصرف دون وجود من يتنطط ويقلقهم، ويبدد خياراتهم وأولوياتهم.

قال اليدومي إن مصير صالح سيكون مجهولاً.

لسنا هنا بصدد عنجهية لهجة اليدومي، وهو يقولها بعد أو قبل الإشارة والرد على مقولة صالح التاريخية في نفس البرنامج، معتبرا الإصلاح مجرد كرت استخدمه ولم يعد بحاجة إليه. ويريد اليدومي هنا تصفية حساب معلق، ورداً على منغص تاريخي، فقال الآن نعرف من الذي استخدم الثاني على أنه كرت.

صحيح أن مقولة اليدومي ستكون أكثر تاريخية من مقولة صالح، إلا أننا بحاجة هنا للحديث عن مصير الزعيم الذي أصبحت حياته عبئاً على عصابته، والتي يلعب فيها اليدومي دور العم الذي يحمي العصابة من نفسها، مفصحا في البرنامج عن طهرانيته الشخصية، وتمثله لنموذج القاتل الارستقراطي في منظومات التطهير العرقي.

كانت لهجته مفزعة، ولا سيما بالنسبة لمن يعرفون شخصيته الراضية المستبدة والجاهزة لارتكاب الفظائع باسم المبادئ.

مصير صالح معلق على الاحتمالات المأساوية وحكايا النهايات الغامضة والدموية معا.

أظنهم سيجرونه لارتكاب المبرر الأخير لتصفيته جسديا، ولن يعدموا حيلة. ومسألة قتل المتظاهرين ستستخدم الآن باعتبارها واحدة من فظائع صالح التي كانت قد طمست أيام المبادرة، وهكذا تعيد الفظائع إنتاج ذاتها لحساب الشر الذي لا يوفر شيئاً إلا ويستخدمه.

هو يشعر أنهم بصدد تصفيته، فلقد خبر نمط تفكيرهم كأي مدرب أصبح عبئا على الجميع. وأظنه قد أصبح أكيداً من أن السعودية هي الأخرى قد أصبحت بحاجة للتخلص من أكثر كروتها فاعلية وكلفة.

لم أكن أريد الجملة الأخيرة في وصف رجل أشعر أننا لم نمنحه العدالة، عدالة أن يحاكم على أخطائه، وليس على حاجة العصابة وضغائنها.

هو من النوع الذي لا يحب الرثاء، وأنا هنا أرثي فكرة العدالة، وأتملى ترقب إنسان لمصير محتوم غير لائق.

كانت المحاكمة لتمنحه عزاء فكرة الرضوخ لغضب الشعب وهو يقرر مصيره في جو تاريخي حاشد.

بدلا من هذا الذي يشعر أنه كمين يعد له في العتمة، وكأن الحصانة عملية لتهريبه من البوابة الخلفية لمحكمة الشعب، واغتياله في أحد مخابئ العصابة.

أعرف أن علي محسن يعارض هذا السيناريو، ولقد سمعت أنه اعترض غاضبا على ما قاله أحد الجالسين معه في مقيله، بينما تعرض الفضائيات مشاهد لمحاكمة مبارك، وكان ذلك الناشط السياسي قد قال ما يشير إلى أن هذا سيكون مصير صالح أيضاً.

امتعض محسن من فكرة محاكمة ابن عمه، فما بالك بتصفيته، غير أنه سيرضخ في حال تفاقم الوضع، مفصحا بذلك الرضوخ عن وقوع ذهن العصابة في النقطة الفاصلة بين عدالة العائلة وعدالة الشعب.

أظنه سيتركه لقدره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق