الثلاثاء، أكتوبر 02، 2012

تشجع يا فتى


محمود ياسين

وإن كنت لا أعيشها كالبارحة، وأنا أستعيد تلك اللهجة لنفسي في طريق عودتي الذي يكون غالبا طريق خوف، أقول لنفسي دائما "تشجع يا فتى".

منذ وعيت وجودي وأنا مضطر لهذه الجملة، وأنه ينبغي عليّ تخطي أمر ما، شيء مربك مزعج مهدد ويبعث على وجل الخاطئ.

إلى الآن "تشجع يا فتى"، وكأنني لست شجاعا إلا بهذا الدفع الذاتي، ولا آكل من هذا ويخطر لي التفكير وأنا أكتب عن عتاة البلد باسترخاء وأتقبل أقاصي التهديدات، ولا أقول تشجع يا فتى وأنا أكتب ضد قاتل، غير أن الأمور المفترض بها صغيرة، هي ما يكشف لي تهديداتي الذاتية باللااكتمال لصلاحية التواجد على النحو الذي يرضيني.

ما الذي يجدر بأحدنا فعله ليحصل على الرضا، ولا يعود مضطرا للتشجع ونكز الذات؟

لقد توقفت عن طرح هذا السؤال منذ زمن، وأصبح عليّ مثل سلوك بقية جيلي ممن أعرفهم، وهو الانهماك في الفعل المتواتر ضد السلطة، سلطة الحكم وسلطة العائلة والثوابت، ونقاوم الذهان والاضمحلال الذاتي بهذا الدأب في مقاومة القوى العمياء.

كنت غالبا ما أتورط في أن أعلق ببلاد أخوالي وفي ذهني قريتي وبيتنا، وأنني مخطئ عليه اتخاذ قرار من ذلك النوع الذي يمنح العمر المذهول ذاك طمأنينة السواء، وأنتظر كما هو طبعي العتيد، أنتظر حتى يفرغ مكان اللعبة وينسل أولاد أخوالي، وأقرر تحت إغواء "تشجع يا فتى" أقرر الطلوع إلى "الدنوة"، أقطع السائلة الموحشة قليلا، ثم أتسلق حواف الأحوال بأطرافي الأربعة، مرورا من جوار الحود الذي يسكنه الطاهش في أكمة صغيرة اسمها "بروس"، وعند هذه الجزئية تحديدا يشتد خفقان قلبي، وأردد الجملة تلك، ولكن بلهجة من يغالط الطبيعة الأم.

ومن أيامها وأنا غالبا ما أضطر للمرور قريبا من بيت طاهش من نوع ما، الطاهش داخلي، وهذا ما اكتشفته وأنا أمضي في حياة غير أثيرة كهذه، ولا تخلو من إنجازات لا أريد تسميتها أوهاماً، فأنا بحاجة لجلائها الواقعي دون أن أتخلى أثناء محاولة إثبات هذا الجلاء الإنجازي الواقعي، عن الاستعانة بـ"تشجع يا فتى".

يلزم أبناء القرى حكمة الأساطير لملامسة ما قطعوه في طريق دنيا كما يقول أحد ناقدي رتولت بريخت "دنيا لا تعطي شيئا سوى الوحدة، كإمكانية وحيدة".

وأسأل: ما الذي فعلته بحياتي؟

سلسلة مقالات ورواية ثانية توشك على الاكتمال، وهذا الإطراء الذي أتلقاه في مشاركاتي في "فيسبوك"، ويشعرني أنني محبوب إلى حد يفترض أن يكون كافيا، وأشعر مع قرائي أنني لست وحيدا تماما، ولا تلح عليّ جملتي التاريخية، دون أن أصل بالطبع لمرحلة الذروة في شجاعة التعايش مع أيام كهذه.

هذا العالم موارب كثيرا، وينتظر أحدنا شيئا ما يجعله يمضي أكثر خبرة بالحزن دون أان يغفل بالطبع أن هذه الخبرة قد تمنح الإنسان التلة التي يمكنه منها رؤية الطريق الذي كلفه الكثير وقطعه على كل حال.

غير أنني قد أكون في الستينيات أحاول الرضا بلهجة أقل كلفة من تشجيع الفتى ودفعه على الدوام.

ربما تكون تلك السنون مشمولة بقدر ضروري من الانسجام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق