الاثنين، أكتوبر 15، 2012

تمكن اليمنيون من تشييع ابنهم إبراهيم وأبقوا العائلة بلا جنازة


محمود ياسين

أخيرا تمكن اليمنيون من تشييع ابنهم ابراهيم بعد أكثر من ثلاثة عقود قتلوه وأبقوا العائلة بلا جنازة لائقة..

إن ابقاء مأثرة الحمدي ورومانسية رحيله كامنة في صدور الناس وبلا تعبير رسمي يشبه حرمان بطل اسطوري وحرمان عائلته من مراسم دفن لائقة بالفرسان

كيف تمكن ابراهيم من ترك هذا الأثر كله ،هذا هو السؤال ،المدة الرئاسية لم تتجاوز الثلاث سنوات ولم يكن لديه ابواق ولا إنجازات من ذلك النوع المتعلق بمنشآت عملاقة أو انتصارات حربية وهو لم يتمكن من إنجاز مشروعه الوحدوي ولم يسترجع نجران وعسير ،فكيف حصل على كل هذا الانحياز العاطفي الشعبي وبقي على مدى هذه العقود ضريحاً مفتوحا ًومهمة تكريمية مضمرة في نوايا شعب خرج مؤخراً وكأن ابراهيم قتل البارحة؟



لقد هزم ناصر في ٦٧م وانتصر السادات في ٧٣م وحاز الأول وجدان مصر، فيما تحول الثاني لمأزق أخلاقي يبين للإنسان ان السياسة لا تناقض العاطفة كما هو متداول، وان شعوبنا من فرط ما خبرت مذلات اليتم والتلفيق الرسمي بقيت وفية لفكرة الفتى المغدور وأقرب اليه من النذل المنتصر.

لقد تمكن ابراهيم من انجاز مالا يحضر في الذاكرة الجماعية سوى الاحترام،

هكذا أحس اليمنيون بتواتر وتواطؤ أن ابراهيم يحترمهم، ولا معجزة في الأمر ولا علاقة للآلة الإعلامية الناصرية الرثائية بحصول اليمنيين على الاحترام وملء عين رئيسهم.

ذلك أن هذا الاحترام والشراكة الوجدانية قد تحققا في حياة إبراهيم وليس اثناء نشاط اعلامي ناصري لاحق .

الأمر معكوس في قصة الحمدي، إذ يعتق الرؤساء الذين جاءوا بعده ان الشعب احب ابراهيم واحترمه بينما كان ابراهيم هو من احترم شعبه ومنحهم الاحساس بالمشاركة، فتواجدوا وحصلوا على الامتلاء الشعبي القادم من لهجة ابراهيم وايماءات ابراهيم والأهم انحياز ابراهيم العاطفي لضغينتهم الجماعية ضد المشايخ.

يحتاج البشر لمن يراهم بملء عينيه وليكن بعدها أن ينتصر أو يهزم، سيخوضون خياراته كلها ويرثون في اخفاقاته بؤس المؤامرة وحين يموت يفرغون للفقدان.

في مرويات الكثيرين هناك صدفة مرت بأحدهم في طريق ابراهيم وهو يغمز لأحدهم متواطئاً مع مظهره السبعيني المتأنق حتى ان احد السواقين بقي يروي كيف أن إبراهيم ابدى اعجابه بقصة الخنافس وشارب السائق وكعبه العالي،ابراهيم رفيق متفهم وحبوب وابن لتكل العجوز التي دخلت علينا ذات الصباح وأنا لازلت أتلمس الاسماء وقالت دامعة «قتلوا ابراهيم».

الانحياز العاطفي يمكن ولو مؤقتاً اعتماده كتفسير أولي لهذه العلاقة التي لا تنقصها روحانيات الشعوب المتداولة عن الخيرية التي ترسلها السماء على هيئة شخص يمر بليالي القرى مصغياً ومدركاً للمتاعب .

لحظة تاريخيه أراد فيها إبراهيم الحمدي دفع مسار الخط البياني لتاريخ اليمن باتجاه مغاير لما اعتاد عليه حظهم العاثر، والأهم لما اعتادت عليه السياسة القادمة من صنعاء، وهي لا تكف عن إذلالهم بالعساكر والمشايخ مختصرة فكرة الحاكم والعاصمة في تعريف ذهني اسمه»الجهة التي تذلنا» الجهة القوية الصماء المنحازة لكل ما يتهدد القروي ويقلل من شأنه.

ليأتي الأخ ابراهيم ويمنحهم برئاسته المحبة ورحيله المغدور،الدليل القاطع على إمكانية أن يحيوا بكرامة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق