الجمعة، نوفمبر 30، 2012

زمن بلا أخلاق


محمود ياسين

كل يوم تأتي أخبار سيئة عن قرارات وتعيينات وصرف مبالغ مهولة، وكم يكون أحدنا ليمتعض كل يوم ولا يعود يدري هل أخطأت الثورة أم أخطأنا نحن في التعويل عليها، ذلك أن الثورة حتى لو اكتملت فأنا أعرف حجم استعداد المتهبشين لسرقة كل زمن.

ناهيك عن معرفة استعداد حياتنا كما هي عليه الآن لتمرير أي خطأ، والتعايش مع القذارات المتلاحقة.

الضمير العام لا يزال في طور التحديات الساذجة وشخصنة العداء ضد أسماء وجهات وليس العداء المتعافي للسوء أياً كان مصدره.

لدي مثالان على ما أحدثكم الأول شائعة عن تعيين علي الجرادي رئيساً لمجلس إدارة صحيفة الثورة بعد قبول استقالة طاقمها.

والثاني قيام رئيس الوزراء بصرف مائة وخمسين مليون ريال كتعويض لصحيفة أخبار اليوم.

أنا لا أكره علي الجرادي، ولطالما ألححنا على منح جيلنا فرصته وعلى صحفي من جيلنا وأياً يكن تقييمي لمدى كفاءته وحقه إلا أن الإدراك المتداول في الوسط الصحفي لدور الإصلاح في تعيين علي ضمن الاستئثار بالوظيفة العامة ناهيك عن العلاقة الشخصية بين الجرادي ووزير الإعلام هي ما يدفعنا للامتعاض الامتعاض من حصول الجرادي على فرصته بطريقة غير مشروعة وغير أخلاقية.

لقد خذلنا هذا الوزير أكثر من أي وزير آخر. رجل يقوم بعيداً ويتحدث عن حلمه بتوحيد الجزيرة العربية تاركاً مفاصل المؤسسة الإعلامية لتدافعات التقاسم والاستحواذ.

لطالما ضربت المثل شخصياً باستبعاد علي العمراني أيام علي عبد الله صالح كدليل على إقصاء الكفاءات وتعطيل الأدمغة، وها نحن نصاب في أكثر ما تبجحنا به ضد جهالة النظام السابق.

وكان اعتقادنا أن العمراني كفاءة مؤتمرية تتجول كدليل على غباء المؤتمر، وهو لا يستفيد من ثقافة العمراني. غير أنه أصبح ثورياً ومنحوه الإعلام فارتبك لدرجة أنه فقد قدراته فيما كان يؤهل للعمل في الدراسات أو أي شيء غير الإعلام.

الرجل انفعالي وهو من النوع الذي يرتجل ولا يصغي لوجهة نظر الآخر ولا لحديثه وهو صادق ، رجل نقي حقاً وبوده لو تكون بلادنا أفضل غير أنه مؤخراً وبسبب من مفاجأته بوزارة الإعلام حاول أن يتسيس، فأصاب الوزارة بالشلل التام، ولا أدري كيف واتته فكرة عظمة الملك عبد العزيز هكذا فجأة بعد توليه الوزارة، ذلك أنه لم يكن يتحدث هكذا ولم أسمع منه شيئاً أيام تبادل الأحاديث حول أهمية المعرفة والإصدارات الأخيرة..كان يتحدث عن عظمة العلم فتسيَّس مؤخراً ليكتشف عظمة الملك عبد العزيز هو من ذلك النوع من رجال تقل خبرتهم كثيراً عن مستوى نوازعهم العاطفية. ودود وتلقائي ولا يفصل بين دوره كمثقف ومجال المناورة السياسية فيخلط بين الأمور على نحو غريب.

في حديث عن إعلام ما بعد الثورة وردوده كان الوزير يتحدث إلينا نحن الباحثين عن معالم استراتيجيته الإعلامية، ليفاجئنا بمنطق إعلامي شمولي صارم ألقاه بوجهنا هكذا بلا أي مراعاة معتقداً أن تلك الشمولية هي نتاج لصرامة شخصيته، وأننا سنفهم الأمر ونتلقاه على أن أسلوبه واستراتيجيته الإعلامية هذه هي بشارة مفرحة لنا بمحاربته للتسيب، ذلك أنه لا يفصل بين التسيب الإداري في ديوان الوزارة وبين شمولية الإعلام، وكان الحضور بين صحفيين ومثقفين حقوقيين أبرزهم عبد الرشيد الفقيه الذي رد على منطق الوزير محتداً:ـ

هذا منطق شمولي استبدادي أقسى من استراتيجية أيام صالح.. ذلك أن من ضمن ما قاله الوزير يومها شيء قريب من وجوب تحديد منطق صحفي وموقف عام بشأن القضية الجنوبية والحاصل أن الرجل لا يحمل رؤية إعلامية ويدير الوزارة بالتهويم والريبية.

كان علي الجرادي حاضراً يومها وبقي يراقب بحياد محاولاً منح صديقه الوزير الفرصة للإصغاء لنا ليحصل على صورة معقولة حول ما يتصوره الصحفيون وما يرجونه من وزارة العمراني.

أقول الآن إن الكثيرين ومن بينهم علي الجرادي رضخوا لمبدأ الحصول على فرصتهم باتباعهم ذات الأسلوب الذي أعلنوا ثورتهم عليه..

أحاديث من هنا وهناك عن سلسلة تجاوزات من النوع الذي يحاول إحباطك بشأن النظام الأخلاقي للبلد برمته.

والأمر ذاته بالنسبة للحاضري صاحب أخبار اليوم وصاحب ثاني أضخم تعويض حصلت عليه الصحافة من حكومة الثورة في المرتبة الثانية بعد تعويض مؤسسة الأيام الذي يتجاوز المليار ريال.

لقد تضررت صحف كثيرة بسبب الأحداث وتوقف بعضها، ذلك أن النداء توقفت تماماً ولقد تضررت صحيفة الأولى وخسرت مبالغ كبيرة.

باسندوة يحترم سامي غالب صاحب النداء لكنه لا يخشاه خشيته من صاحب علي محسن الذي منحه تعويضاً بضغط الجنرال. ذلك أن دولته متخفف من أي ضغط أخلاقي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق