الأحد، نوفمبر 18، 2012

إياك أن تتعفن


محمود ياسين

أمسى مقرفا هذا التشكي الجماعي من بلادنا، وتعب بلادنا، وتخلف بلادنا، وكل شوية يقول لك الواحد الغرب داريين مو يشتو ويعرفوا يعيشوا.

الذي لديه في نفسه شيء، فليقم به ولو فتحت في وجهه أبواب الجحيم.

هذا النواح غير محترم البتة، ويتحول بمرور الوقت الى نمط للعيش، وكأننا أطفال نبكي من عدم استجابة الآخرين لما نحتاجه بشدة، معتقدين ما يعتقده ابن العامين أن الآخرين يدركون حاجته للرضاع أو النوم والتربيت، ولا يفعلون، فيصرخ.

مد يدك وانتزع ما تريده من فك هذا العالم، وهي هكذا تمضي، ولا ضمانات لمن يدقق كثيرا.

لقد اعترك الإغريق، وذبحوا بعضهم على أبواب طروادة، حيث تساقط الفرسان والملوك، واحترقت مملكة، وأطيح برؤوس آلهة، وتورطت آلهة أخرى في الحرب ضمن انفجار في قلب الأمة الإغريقية لأجل هيلين الجميلة.

من يرضخ سيتعفن، سيتعفن سواء رضخ بعمق من يدرك مآلات الحياة ومأساويتها ولامعقوليتها، راكنا لاستلذاذه بتشفي الخاسر، أو من رضخ بغباء من أسقط في يده كأي ضيّق أفق يعتقد أن علي محسن والإصلاح والجماعات والمحاصصة وعيال الشيخ والخسران الجماعي، هي كلها نهاية التاريخ في اليمن، ومثبت إحداثياته. أنا لست هنا بصدد إعادة تسويق مقولات التنمية البشرية المحفزة.

وإذا كان على أحدنا التبشير بدنيا مشعة يتوهج فيها بدل أن يتعفن في الأكاذيب والوهم، فذلك ما تبقى تجاه هبة الحياة وضدا للهدر؛ الهدر الهائل لوجودنا عقب الإخفاق الجماعي، ذلك أنه أولا وأخيرا، سواء ثورة كاملة أو نصفها، أو هذه الخدعة المقززة، فإن هناك شيئاً اسمه إرادة الحياة، التي لا أمضى منها.

لا مجال هنا لتقمص أداء مشهد لمارتن لوثر كنج وهو يناجز دنيا مخاتلة مناوئة لإنسانية السود، وواجه هذا العسف قائلا: إنني لم أعد أخاف أحدا، ولم أعد أخاف شيئا، ذلك أنني أرى بعيني مجد ما هو آتٍ.

بالنسبة لك يا سيدي الآن فمجدك الآتي سيتدفق من داخلك، من عمقك الذي لا يكف عن الاحتدام.

ليكن. إنهم يتجولون ويضمرون لؤم من يدعي الانتصار على عاتق إيمانك بهزيمتك الشخصية التي يبنون عليها عطفك وملامسة خشمك بالتراب، ملقين في روعك أنهم بصدد البرع على جثتك.

لكن لا، هذه كلمة الغوغائية المختالة، وكلمة البجاحة والتخلف، هذه كلمة الحظ العاثر، وكلمة دنيا تريد وضعك في عثرة الحظ، وتورد مجموعة دلائل قاطعة على حتمية تمزقك في حركة التاريخ وفي تصاريف القدر.

لكن، بالمقابل، وبمواجهة هذا كله، هناك كلمتك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق