محمود ياسين
استدعاء أخطاء الرئيس المصري إلى اليمن كشاهد ضد حزب الإصلاح، شكل من الغوغائية المضادة أو السابقة لغوغائية الإصلاحيين وهم يدافعون عن تلك الأخطاء وكأنهم يدافعون عن أصلهم المصري.
رغم الذي كتبته عن بدائية أدوات هذا الحزب،
غير أنه متقدم على إسلاميي مصر في خبرة العمل السياسي التي اكتسبها من مشاركته منذ
الوحدة.
المهم أن إخوان مصر كتلة واحدة تعي ذاتها،
وتمارس الخطأ والصواب بيقظة وقصدية، كأية قوة ناجزة حظيت بفرصة تاريخية تتعامل معها
بنهم من يفتقر لخبرة التعايش ومدفرع بوعي زنزانته التاريخية.
الإصلاحيون الآن يرزحون تحت عبء تعدديتهم
اللامنسجمة؛ تجد فيهم العلماني والشيخ القبلي والسلفي والجنرال والطالب الذي يختصر
لك كتاب "طبائع الاستبداد"، ويحدثك عن آخر حفلات الموسيقي الشهير ياني.
جملة أصوات تشي بفوضى أكثر منها تعددية
قائمة على ميثاق سياسي مدرك ومنضبط.. لذلك تصغي لأحدهم وهو من قيادات الحزب، فتقول
هذا غاندي، وتسمع بعد قليل قراراً أو بياناً إصلاحياً وكأنه اختصار لخطبة الحزمي في
جمعته الأخيرة.
لقد حضر أثناء مشاركة الإصلاح في الثورة
صوت الإخواني أولاً، المتقدم تنظيمياً، وإلى جانبه الصوت العسكري والقبلي، على حساب
بقية الأصوات، ضمن عملية إقصاء لاهث متعجل لصوت نمو شخصية الحزب، ممثلة بكل هؤلاء الإصلاحيين
الباحثين في نصوص القرآن والحديث عما يدعم نزعتهم الحقوقية الإنسانية.
على الدوام يصنع صوت المحاربين في كل مرحلة
شخصية الإصلاحيين المرحلية، ويقدمها للناس ضمن تواطؤ من الذين يملكون بعض الرؤى تحت
مبرر "الضرورات".
مع أن الضرورة هي من يحدد الهوية، غير أن
الإصلاح يعاني فصاماً في شخصيته السياسية، ويمنحك عبر المنافذ الإعلامية المحسوبة عليه
كل هذا القدر من الترهات. ترهات قادمة من التجريب الشخصي والارتجالي، ناهيك عن هذا
الذي يدور في "فيسبوك" من مكارحات ودرء شبهات بجلبة تذكرني بمكارحات
........ القوية التي كانت قد اجتذبت مراهقتنا إلى بؤرة التحاذق الإسلامي، وهو في كل
تواصل يسعى لتفويت فرصتك وغرضك التآمري ضد تباشير فجر الإسلام، لدرجة أن أحدهم ونحن
نناقش فكرة مَن الأفضل ليكون وكيلاً للمدرسة، وأنا أؤدي أيامها خدمة التدريس بعد الثانوية..
كان هذا المدرس قد رد على مقترحي بإرجاء الاتفاق على وكيل حتى الغد.. رد بالآية القرآنية:
"يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم"، مع أنني تفوهت بذلك المقترح بدافع الكسل،
وليس لأطفئ نور الله.
كان ذلك في الماضي، وبقيت المكارحة كوظيفة
حزبية. ولقد تجاوز الإصلاحيون حقاً هذا النمط من المقاربات الساذجة، غير أن ترهل شخصية
الحزب جعل من أفكار شباب كثيرين مجرد ترف فكري مسكوت عنه، ولا ضير في ممارسته، لدرجة
أن الإصلاح تخلى مؤخراً، وبشكل قاطع، عن مراقبة ما يدور في أدمغة ناشطيه، إن على مستوى
الأفكار التي كانت في الماضي شبهات يرددها أعداء الإسلام، أو الأفكار التي تبحث في
النظرية الإسلامية الثانية وما شابه.
لقد تم عزل هذا الدماغ ليبقى ذهن الإصلاح
تحت المجال التأثيري لبراجماتية عقل تقليدي متحاذق، هو خليط من إخواني قبل عسكري يلاحق
تكتيكات متعاقبة ضمن حالة ارتجالية ولا منسجمة.
بينما تعتقد وأنت تناقش المحاميين فهد الحسني
وعلي السنحاني، أنك أمام ناشطين ينتميان لحركة الحقوق المدنية في ستينيات الغرب، وتكون
قبلها قد سمعت من محمد قحطان مختصراً مهماً لبحث في شكل العلاقة التاريخية بين الحاكم
والعسكر.
وفي المساء، يقدم الإصلاح شخصيته المسائية
بمعزل عن كل منطق تعتقد أنه ينتمي إليه.
هناك مشكلة فنية أيضاً تتسبب في تعدد أصوات
الإصلاح الرسمي، لها علاقة بافتقارهم للكفاءة.
وهكذا تلامس الإصلاح من خلال منتمين للمكارحة،
ومنتمين للنيل من المخلوع ودرء الشبهات، ومنتمين لفكرة تمكين الله لإخوان الشرق الأوسط،
ومعارك هنا وهناك يساهم في تفعيلها وتحديد طبيعتها ناشطو القدم واللسان، ذلك أن التنظيم
الأصلي يثق ويعول كثيراً على هذا النوع من النشاط، مرتاباً في جدوى وغرض أي نشاط ذهني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق