الخميس، ديسمبر 13، 2012

استعلاء المثقف


محمود ياسين

لا أسوأ من تعالي المثقف ولو كان الدكتور ياسين قبل رئاسة الوزراء لكان لدينا حكومة ممكنة بعد علي عبدالله صالح وبعد كل الذي قلناه عنه وعن زمنه بدلاً من تركنا هكذا نناوش باسندوة في أيامه الأخيرة.
لم أكف يوماً عن مجاراة الناس برضى كامل وحماسة في التعويل على الدكتور، ولقد حاولنا إيصال هذه الفكرة للدكتور على أمل أن يحتمل بدوره تبعات هذا الأمل الجماعي.
يفصح هذا التركيز على الدكتور ياسين عن شحة مواردنا البشرية وعودة ذهننا الجمعي للكنان خلف عباءة الأب المخلص وهذا سيء للغاية .
يلتقط الوعي الجمعي صدق الرجال من وجوههم وإيماءاتهم ومنذ كان يدير حوارات ومجادلات مجلس النواب بعد الوحدة مباشرة والقرويون كانوا يفصلونه عن منظومة الحكم بما يشبه الاتكاء على الحدس تجاه الأشخاص وكأنه ولا يزال ذلك الرجل الذي لا يدري أحد لماذا هو مبعث ثقة واطمئنان على غرار ما يقوله المصريون "فيه شي لله" غير أنه لسبب مبهم يمانع هذا الدور بأكثر من طريقة ويذكرك بتروتسكي في أحد اجتماعات المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي وهو ينفث الدخان من البيب متعالياً على ستالين الذي كان يسميه الدب الجبلي.
وبسبب من تعالي تروتسكي عن القيام بأنشطة خليقة بدب جبلي وقع أكبر مشروع للعدالة الإنسانية في قبضة الدب وغادر تروتسكي موسكو منفياً وهو يردد "العدالة مستحيلة".
لا أكثر إغواءً من رثاء مصائر الشعوب بامتلاء ثقافي ينفث الدخان بوجه دنيا مغلوطة لا تكف عن تفخيخ طريق البشر بآمال تنتهي إلى كابوسية اللاجدوى.
على غرار أن يمر أحد المتعالين قريباً من ساحة ثورة باب جامعة صنعاء مستوحداً برثاء الخيم وعشوائية التواجد على أنقاض حلم.
يرضى بهذا الامتلاء الكابوسي ضمن تموجات رثائية تاركاً للعقل البسيط المتواضع أمام طموحاته القيام بدفع الحياة باتجاه كارثي يعزز استعلاء المثقف ورؤاه الكابوسية وبما يكفي لحصول هذا المثقف على كابوس إضافي يحتضنه في منفاه الاختياري أو يخبط رأسه في الجدار وهو يرى نتائج ترفعه وقد تحولت من موقف سلبي إلى أذية وعذابات لأناس كان بوسعه إنقاذهم.
مع أن الأمر هنا وفي نموذج الدكتور ياسين يتجاوز توحد الفنان المنهمك في مراقبة الحياة تتسرب من بين أصابعه في دنيا لا تعطي شيئاً سوى النهايات السيئة. هذا مجد الفنان والعالم مغلوط فعلاً وفقاً لأرنست همنجواي، لكنه أيضاً هذا العالم المغلوط يستحق المحاولة.
كانت الأسماء المتداولة والتي لا تكف عن كتابة كلمات تظهر في الصحف والدوريات قد اختفت أثناء الثورة، والآن تاركة لكلمات الناشطين التنظيمية والمشائخ بنوعيهما وكلمات البيانات الحزبية أن تحدد الوجهة التي ينبغي لبلادنا المضي نحوها.
كانوا قصائد حالمة وأصابع تشير للعدالة ومجد الإنسان ولا سبب واضح لفهم انزوائهم أثناء الثورة والآن غير ما أظنه استعلاء المثقف عن مزاحمة القبيلي والحزبي والمتسلق ليقوم هؤلاء بجعل الحياة في اليمن أقرب بالنسبة للمثقف لورطة (يهودي ودف لحضره).
أصادف بشكل شبه يومي قاصاً أو شاعراً عاد للتو من خيبة ما.. أو سمع قراراً غبياً بتعيين شخص لا أخلاقي تماماً وأراقبه يرفع يده مردداً: حقراء ،،بالإضافة طبعاً لكلمات (بلد غبي- بلد سخيف- الحياة بين داحس والغبراء) إلى آخر هذه العطارة النرجسية للشريد المتعالي.
بينما كان لدينا غير أصدقائنا الحزانى المتجولين بين مقار الصحف والأحزاب بضعة أسماء في قمة الهرم أبرزهم الدكتور ياسين.
ولقد ركنا كثيراً لكونهم يشبهوننا في الذي احتفظت به أعماقهم من رومانسية الحالم الذي يمكنه من موقعه ذاك من تجاوز ترديد كلمة- أغبياء- إلى مناهضة الأغبياء ومنعهم من العبث بفرصتنا التاريخية وتحويلها إلى كابوس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق