الخميس، ديسمبر 13، 2012

تصارعوا لكنهم لم يفضوا الشركة


محمود ياسين

أتدرون لماذا لم نسمع عن ملاحقة الأرصدة وإعادة الأموال المنهوبة؟

كما تم مع أموال زين العابدين بن علي أو حسني مبارك أو أرصدة القذافي المهولة.

ذلك أن أرصدة أولئك الرؤساء متواجدة غالباً خارج بلدانهم ومحددة بأرقام ولو تقريبية، بينما لا تزال أموال عصابتنا عائمة في الداخل وتجري في عصب الاقتصاد، يجنون الأرباح المضاعفة لتلك الأموال من الشعب الذي ثار ضدهم

وليس من بنوك سويسرا إلا في حدود ضئيلة تأتي من النسبة القليلة التي تم تهريبها إلى بنوك العالم، بينما لا تزال مصالح العصابة وشركتهم التجارية العملاقة قائمة بعد أن تطالقوا سياسياً ولم يتطالقوا اقتصادياً.

لم تفض الشراكة الاقتصادية بين أبرز من في المعسكرين، وعندما يتورط أحد المدراء التنفيذيين لهذه الشركة ،والذي يكون عادة تحت مسمى رجل أعمال، تتلقى الجهة التي تورط فيها موظفهم الكبير هذا اتصالين متلاحقين من معسكر الستين ومعسكر السبعين، لا تفرق المدة بين الاتصالين بضع دقائق .

يعني إلى الآن لم يتحاسبوا ،ولم يقسموا.

لا يحتاج الأمر لتوضيح على طريقتي فقد خلصت حكايا أهل قريتي وقد تعبت من ضرب المثل بهم، ذلك أنهم طيبون وأبسط من مقارنتهم بالحيتان، لكن هذه آخر مرة إذا سمحتم لي لأقترح حكاية قروي نهب أهل قريته ورجع بالمال حقهم، فتح بقالة في القرية وعمل طاحون وكهرب وممنوع من ينافسه وبالسعر اللي يعجبه ضمن عملية استنزاف حتى النخاع

وهذا ما يحدث لنا مع العصابة، التي أخرجت في بعضها عيوب البغلة، وأعادت ترتيب هرمية العصابة تاركة الشركة خارج الصراع وأرباحهم قد تتضاعف بحصول مجموعة منهم على امتيازات إضافية بعد الثورة، وصلاحيات تسهل أمور ومصالح الشركة أكثر، ابتداءً بأذون الخزانة مروراً بعقود بيع ونقل النفط وانتهاءً بوكالة الشركات العالمية عابرة القارات وتمثيل مصالحها.

كلما تذكرت أنني أتسلم راتبي من وكالة سبأ دون أن أداوم واشتراك مجلة صيف من الرئاسة، الذي أخذ شكل إعاشة وقد توقفت المجلة، أشعر بالفساد يتهددني ويهزأ من معاركي الأخلاقية، وأعزي نفسي قائلاً سوف أداوم في سبأ عندما يسمح أولاد الشيخ عبدالله بعودة مقر الوكالة لاستقبال الموظفين في حال سمحوا للدولة بترميم المبنى والمجلة ستعود للصدور وقد أضاعف كمية الاشتراك.

على أن رقم فسادي الشهري هذا لا يتجاوز ثمانين ألف ريال من الجهتين .

والحقيقة أنني فعلاً لا أستحق هذا المبلغ، غير أنه دخلي الوحيد في هذا العالم،  ويمكن القول إن في الأمر معضلة أخلاقية تجعلك تدور حول نفسك مستكشفاً هول الثورة التي رتبت مصالح امبراطورية الشر على هذا النحو الذي يخرج لسانه لنا ولذكرى الشهداء وآبائهم.

لقد تطورت القبيلة السياسية من حرمة دم المكلف إلى حرمة المال العام، وتمكنوا من إعادة تعريف المال العام على أنه مال المجموعة، الدم الذي لا يمس وشريان الماضي الأكثر حيوية من جذور الانتماء، هذا المال هو القسم المقدس، وهذه الاستثمارات المتواجدة هي ضمانة وسبب وتفسير ما كان مستغلقاً علينا من بنود المبادرة الخليجية.

لا أرقام ولا توضيحات إضافية لدي للإسهاب في تتبع أنشطة الشركة الأم أو مجال عملها وإلى أي مدى تمكنت بفعل الثورة من فتح أسواق جديدة، إذ قد يبدو في هذا مبالغة ما، ولأجل الدقة أيضاً ورغم أنه لم يمض على الاتصالين من الستين والسبعين لإنقاذ موظفهم الدؤوب أكثر من شهرين، غير أن هذه الشركة مهددة ليس بالإفلاس وإنما بالفض الآمن في حال تفاقمت العدائية داخل المجموعة، غير أن المهم هنا هو الحصول على تفسير تقريبي للصمت الثوري تجاه فكرة الأموال وملاحقتها.

لا أدري ما إن كان الرئيس هادي وهو يشن هجومه البارحة قد لوح بملاحقة الأرصدة واستعادة المال المنهوب، إلى جانب تلويحه بالنيل من الحصانة وفتح الملفات هو على حد علمي لا يملك سهماً واحداً في هذه الامبراطورية الاقتصادية ويجدر به التصرف بخفة أكثر، وأن يستفيد من هذه الميزة لابتزازهم، وأنا الآن أحلم أو أسدي نصائح سيئة مع أنه يفترض بأخلاق هذه البلاد الاستماتة في استعادة مالها المنهوب، وقد نحصل على الأقل على طريقة لإقناع الرئيس بالتحرك لفصل عصب الاقتصاد اليمني واستعادته من تحكم مصالحهم المتجذرة.

أما استعادة الأموال فلا أدري إلى الآن هل استعاد المصريون حقاً شيئاً منها؟

المال ملعون ويجد طريقة للإفلات غالباً، ذلك أنه يحظى بشكل من الرعاية والحماية الدوليين، المجتمع الدولي أو دول الحرية قد يساندانك في استعادة حريتك، بينما يكون مالك المنهوب قد تسرب إلى عصب النظام الأخلاقي العام، ذلك أن فئة نادرة من الرجال هي من تبقى بعيداً عن المال المدنس قل أو كثر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق