الاثنين، ديسمبر 31، 2012

مكانك؟ جالس؟


محمود ياسين

كنت لأتوقف عن الكتابة، لكنني قد أدمنتها في ما يبدو، وأدمنت هذا الوجود اليومي برفقتكم، ولا أروع من رفقتكم لنبكي معاً، ونضحك ونتضامن مع المغلوبين، وننكت على السياسيين. صحيح أنهم ضحكوا علينا، لكن يمكن لنا أن ننكت عليهم، وندعي أننا نهزأ بهم، ولو من قبيل التخفيف من الغلايب التي يلحقها بنا السياسيون.

أذكر أن أحد زملائنا بصف رابع (لن أذكر اسمه هنا، فقد يغضبه ذلك) كان كل مرة يتلقى هزيمة من زميلنا الأكبر في الصف، ويخطط للمرة التالية، دون أن يغفل شرب البيض على الريق، وحمل خشبة ضخمة كانت مرمية على باب المدرسة، يتمرن عليها، ويقوي عضلاته، ويهزمه غريمه أيضا، دون أن يتمرن. لقد كان كسولا ولا يجهز للمعركة ويكسبها على الدوام، مع مرور الهزائم والوقت، أصبح المغلوب مضحكا وفكها يبتكر النكات على قوي الصف، وهكذا -كما يقولون- تصبح السخرية سلاح الأعزل.

لقد نكتنا على باسندوة سنة كاملة، فرد علينا بتلك الطريقة المذهلة، ولن نيأس، إذ قد نكتشف عيبا جديدا للسياسيين غير تقدمهم في العمر، وغير هذا الذي رددناه كثيرا، ولا يبدو أنه يفلح في دفعهم للحرج أو اليأس أو التفكير بحسن الخاتمة.

يعتقد الساسة أننا هنا في هذه الصحيفة نزعجهم، ونكسب نقودا على هذا الإزعاج، وهم لا يدركون أننا نتبادل صحيفة "الأولى" مقابل التمتع بإزعاج الظالم وأرشفة نقائصه، ولو كانت عمليات عرض هذه الفكاهات السياسية في صحيفة هي الأبخل في تاريخ الصحافة العالمية، لدرجة أنني أفكر أنهم في "الأولى" يصرفون رواتب موظفيهم على هيئة إعانات ودقيق وسمن، أما أنا فأتعالى غالبا على أية مكافأة، باعتبار أن كتابتي في الصحيفة مكافأة مني لملاك الصحيفة على صداقتهم الوفية، مكتفيا بالاتصال اليومي من السيد نائف حسان، وهو يردد ذات الجملة المسائية "مقالة تاريخية".

المهم أن الأيام تمضي، ولا يجدر بنا السأم. إذ إن هؤلاء السياسيين قد يجتمعون يوما في مقيل الرئيس أو باسندوة، على أن يكونوا متواجدين كلهم في يوم ماطر مدلهم، يضربهم الله ببرق ونستريح. أما التحولات فلا أعدكم أنها ستريحكم من وجودهم على المدى المنظور. عاد باسندوة يمني نفسه بتعديل النظام من جمهوري الى برلماني، ليكون رئيسا مستريحا بلا متاعب كبيرة. أظنهم لا يزالون يحلمون بخطبة الفتيات، ولو ترى أحدهم في روما وهو يزور "آرماني"، ويفصل البدلات عنده، وينتقي الألوان بشغف، ستدرك أنه لا يزال ناوي على راحة وجلسة.

المهم أنه يمكنكم الآن تطوير النكتة الصنعانية الشهيرة عن صاحب صنعاء الذي تورط في ضيف قبيلي ثقيل وأصنج وباله طويل، وتجاوزت مدة ضيافته أكثر من أسبوع، والصنعاني لاغب، والضيف داكئ منتظر البوري والفصوص، ويشتي من يدفئ أرجله، والبوري بيد صاحب صنعاء يحدق في الضيف الثقيل من الثقوب، وكأنه يبرح البوري، بينما هو يحدث الضيف من خلال الثقوب، خابطا على البوري، ويقول: "مكانك؟ جالس؟ عليك لعنة الله".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق