السبت، ديسمبر 15، 2012

أين نمارس ثورتنا الثانية؟


محمود ياسين

لست هنا لتكرار التفاصيل التي قلتها سابقا عن التأجير والبيع ونقل القدم بقدر ما أنا معني بفكرة تفخيخ ساحة الحلم وتعطيل إرادة التغيير من دافعها الرومانسي ،ناهيك عن تثبيت إحداثيات الثورة على هذه الوضعية، خيم وطلبة وعمال باليومية ولجنة تنظيمية تنظم مجتمع البؤس الصغير هذا ليبقى ينهش روح الأناقة الثورية والفكرة برمتها.فأين نمارس ثورتنا الثانية؟

تحولت الساحة إلى شيء مخزٍ ووضعية غير لائقة بالمجد الثوري لمجاميع متمسكة بالتواجد في عشوائية كانت ساحة ثوره.

يحلف أحدهم انه لن يغادر خيمته إلا إذا أعطوه فيلاً وسيارة, وآخر يقول لي تعال شوف معي خيمة دورين من هنه ،"ووضع سبابته على رأس أنفه"بالطبع هذي المراجعة للثوار وأن يقول لهم أحدنا "عيب" تعتبر مخاطرة وكأنهم أصبحوا عصابة .

يفترض بالساحات العظيمة التحول إلى نصب تذكارية وساحات مآثر وليس عشوائية مثل هذه التي بباب الجامعة، ولقد تابعنا كيف قام ثوار مصر عقب انجاز ثورتهم الأولى بتنظيف ميدان التحرير كرسالة تفصح عن تحضر الحدث ومدنية شبابه باعتبارهم مستقبل مصر النظيفة المتمدنة .

ثوارنا قاموا بأسوأ عملية بسط على الأراضي بعدد هائل يتقاسمون مساحة لا تساوي مساحة أرضية نهبها احد الجنرالات في عدن .

هم ثاروا أصلا ضد النهب والبسط وهاهم الآن يمارسون ما ثاروا ضده في عملية متبادلة تواطأ معها الساسة أو من يسمون أنفسهم قادة الثورة عندما فشلوا أو عندما نهبوا الثورة تاركين لشبابها نهب أرضيتها ،كتعويض بائس مقابل حلم مصادر ومقابل أعمار الفتيان الذين سقطوا برصاص علي عبد الله صالح .

أهذا هو سقفكم ؟

أهذا هو المجد الذي سعيتم إليه قادمين من الضواحي وأزقة المدن؟

خيمة في الساحة وبين كل فترة وأخرى تعلن ما تطلق على نفسها "اللجنة التنظيمية "انها تزمع اعادة الروح الثورية والتصعيد الثوري .

يا للبؤس ،ويا للنهاية المخزية التي تدفعني للتفكير بأن ما يحدث في الساحة من إدارة لبؤس وعشوائية ما بعد الحلم هو عمل ممنهج للنيل من عظمة الحدث الذي كان .

،تسويق للجانب الآخر من حياة وطبائع جيل كان منتشياً بالمآثر وجاهزاً للتحديث والمدنية ،وها هو الذي تباهينا به يتحول لعشوائية خيم وبسط وروائح كريهة وكأنها تنبعث من جسد فارس مغدور تركوه يتعفن في الخلاء .

عدد كبير منهم يحتاجون للمبيت هناك ،ذلك أنهم بلا مأوى وليس لديهم بديل الآن ،وثمة شرفاء متعالون لا تصلهم كدم الفرقة ولا يقبلونها ولا علاقة لهم بأي مخصصات تصرف بعد الغداء وتضيق بمرور الوقت ولا تتعدى الألف ريال ،عدد كبير من العالقين في الساحة فتيان شرفاء لا يدرون كيف يتصرفون بوجودهم هذا ولا أين يذهبون ولا كيف تحول الحلم إلى كابوس هو خليط من الوهن والذهان .

غير أن شخصية الساحة في النهاية ترسمها الشخبطة البائسة لوجود متهافت مضطغن عادة ما يصيب الإنسان بعد تعرضه لصدمة عنيفة ومحبطة.

أي شخص يمر قريباً من الساحة سيمط شفتيه من الثورة ومن الفكرة برمتها مردداً "قلك ثورة".



ماذا لو تعافينا قليلاً وشرعنا في ثورة ثانية،؟

الثورة الضرورية الآن والتي بدونها سيكون كل ما حققناه مجرد تركيب مسخ يتهدد حياتنا بضراوة.

ماذا إن أصبح علينا البدء بثورة ثانية ؟ على أي مآثر سنتكئ في الساحة وأي ثورة ثانية هذه التي تحتاج لإذن خطي من اللجنة التنظيمية؟

ثم كيف نرتب عملية استخدام الخيم الموجودة وضمان حقوق أصحابها وملاك أرضية الثورة التي كانت ساحة عامة وفضاء ملهماً للفعل العام؟.

لقد حشرنا كل نقائصنا وتقيحاتنا في منفذ التغيير وسددناه في الساحة ضمن عملية رياء جماعي لكل الذي قد يخرج من الساحة من عدوانية ثوار لا يزال الشعب يكن لهم تقديراً ما .

كنت يا صديقي تدافع عن الأرامل والمغلوبين والحقوق والحريات والتحديث والأحلام والموسيقى والدنيا الموعودة، فكيف تدافع الآن عن فرش؟

قوموا بفعل ملهم متجدد واشرعوا في مرحلة تنظيف الثورة من العوالق والفضلات والأكاذيب الكبيرة وامنحوا هذا الشعب أملاً جديداً واستعيدوا مجد الساحة وحلمنا الإنساني المؤثر.

أما وقد أفلتت الأمور على هذا النحو التنظيمي العشوائي في وقت واحد فالأجدر بكم احترام تلك الأيام من عمركم الاستثنائي ومن تاريخ بلادنا وغادروا جثة الفارس العظيم .

إمنحوه نهايته اللائقة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق