الثلاثاء، يناير 15، 2013

ظلف الحمار


محمود ياسين

المسكين جاء يسألني: تقول أيش رأي حميد الأحمر بي؟

مع ان الفتى مثقف إلا أنه في لحظة ضعف، مهتم لتقييم حميد الأحمر لشخصيته فأخبرته أن هذا قبيلي تفكيره محدود وإذا كان عليك يا صاحبي أن تحظى بإعجاب حميد فتفرغ لجمع الزلط وهو سيعتبرك "أحمر عين" وإذا قد أحبط ربي عملك وضروري تعجب واحداً من عيال الشيخ رغم أنك أهم منهم العشرة.. فعليك بلفت انتباه حسين، فهو محنك ويضع النقود في خدمة السياسة. أما حميد الذي تهتم لرأيه فيك فهو إنما يزاحم هكذا في السياسة على شأن يلقط قروش.

هذا المثقف المسكين أو لنقل الذي يمر بأوقات محبطة تدفعه للسعي خلف تركيز صورته أمام رموز السياسة والفهلوة في صنعاء، هو واحد من مجموعة لا يمثلون المثقفين ولا الحالة الثقافية السياسية القائمة بقدر ما يمثل لحظة ضعفهم، أو وقت ضعفهم.

هذا الوقت العابر بعد الأحداث الكبيرة منذ ثورة سبتمبر والذي كان دائماً زمن تشكيل رموز البلد وخياراتها عندما يذعن الذهن الحقوقي والمعرفي ممثلاً بالأدباء والكتاب والناشطين الحزبيين عندما يذعنون لفهلوة ومحدودية تقييم حمران العيون، فينضوون تحت ألوية مسيرتهم الفجة ويتحول البعض لحادي ركب أو مناد في مهاجم مشايخ السياسة والنقود.

لطالما استعدت لحظاتنا هذه التي هي مزيج من دوخة المثقفين ولهج حمران العيون لطالما استدعت الرغبة في التحريض بلهجة وصوت مارتن لوثر كنج وبيرون وحتى حادثة عندما أدار بيتهوفن ظهره لموكب الامبراطور مستعلياً بفنه وموهبته على ابتذال أبهة السياسة ضمن حالة نبذ للجهالة المختالة.

هذه الصور كلها لا تعود بحاجة لاستدعاء فهي تحضر من تلقاء نفسها لتشهد على بؤس بعض مثقفينا أو من يكتبون مقالات يفكرون بعدها، ويقولون يا ترى ويا هل ترى كيف ستكون ردة فعل الشيخ الفلاني أو الوزير أو حتى الرئيس هادي، ناهيك عن تتبع واقتفاء ما الذي قاله قحطان أو الدكتور ياسين.

ليس بحثاً عن مستوى الشراكة والتأثير، ولكن سذاجة الحاجة للفت الانتباه واهتمام من يعتقدهم هذا البائس "علية القوم" وليس مراكز القرار الذين ينبغي لفت انتباههم لما يجب فعله، وليس للإعجاب بقنفزة الولد النابه ومباركته.

هذه القنفزة البائسة وعروض نيل الإعجاب هي ما يمنح هؤلاء قوة إضافية وحقاً في تقييم الأداء مع أنهم مع احترامي الشديد وتقييمي المهذب للغاية (مجموعة من ضيقي الأفق) محظوظون بوصول مربط البلد إلى أيديهم منذ فترة طويلة ولا يزال كذلك، وتأتي دونية بعض المشتغلين بالكلمة والحزبية لتمد في عمرهم وكشهادة مزورة على أنهم لا يزالون صالحين للاستخدام.

عندما يصمت الحاذقون محبو هذه البلاد والذين تكتظ أدمغتهم بالمكتبات المتجولة في استخلاصات التاريخ، ومقاربات دراسات الاجتماع، ويعرفون كيف يجدر بشعبنا تغيير حظه العاثر، عندما يسكت هؤلاء يرتفع صوت الجهالة المختالة وتحديداً في أيام كهذه التي هي وقت التشكيل في زمن رجراج من يبادر لمد أصابعه فيه سيشكل للمستقبل رموزاً، وخيارات ونماذج مهترئة هي صورة لما يترسب في ذهنهم المهترئ من مجسمات ومعايير لإدارة البلد وحياة الناس وكيف ينبغي لها أن تمضي.

 شيء هكذا يشبه حكاية الفتى النشيط وهو يسير إلى جوار عمه العجوز الذي خبر الحياة، وأمضاها في المشارعة والجلد وتخبئة ريالات الفرنص.. وبدلاً من أن يقود الفتى عمه البخيل إلى المدينة لجلب حراثة كما هو متفق بين العائلة مساء اليوم السابق؛ إذا به يتملق مزاج عمه الحاذق ويسايره إلى سوق السبت حيث اشترى العم حماراً وكلف الفتى بمهمة رعايته لاحقاً.. وفي طريق العودة تمادى العجوز في الامتلاء بشخصيته التراثية وهو يلمح الإذعان والرضى في وجه المسكين وحينما اقتربا من قريتهم ألقى العجوز وهو يعدل وضع (اللحفة) على كتفه ويضرب بالباكورة على قوائم الحمار الخلفيتين ألقى بنصيحته الذهبية قائلاً: (لف ظلف الحمار لما يقول لك الدهر هاته).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق