الجمعة، فبراير 15، 2013

عيش المثقفين على موارد البداءة وهذه هي المشكلة


محمود ياسين

أخبرني صديقي الليبرالي جداً المنحاز لحقوق المرأة والجندر وبوده لو تكون زوجته تتصرف على الطريقة الأوروبية، أو أنه يتمنى أن تكون أوروبية هذه الزوجة وتصفق الباب خلفها منتصف الليل لتمضي وراء حريتها دون أن ينتابه إحساس بالخوف على شرفه أو بإضاعة إنسان ليس له في هذا العالم أحد سواه، كما هو حاصل في حياة العائلة اليمنية وفي حياة صديقي الليبرالي هذا تحديداً.. حيث تجوع زوجته ولا تنزل للبقالة تجلب خبزاً وقد تحتضر دون أن تجرؤ على مغادرة المنزل إلى المستشفى، وما كان عليّ الإسهاب في وصف وضع هذا المثقف في وجوده العائلي بقدر ما هو حديث عن الحداثة التي تعيش على موارد البداءة والتقليدية على غرار المثل الذي أورده هذا الليبرالي وهو يعود إلى بيته ذات مساء بعد تفكير طويل في المشاجرة التي حدثت مع زوجته حينما غادر البيت عصراً.

المهم أنه عاد وقد سمعت الزوجة من المحدث الخليجي في إحدى القنوات الإسلامية أن النبي لو أمر أحد بالسجود لغير الله لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها، وهو وبسبب من حاجته الشديدة للسلام ذاك المساء، لم يراجعها ويصوب لها منطق العلاقة المتكافئ ولم يقدم أياً من آرائه الليبرالية ذات الصلة، لقد خلع شخصيته الحداثية لينعم بسلام البداءة في تفسير حديث للنبي بطريقة سطحية لمحدث خليجي ينبغي عليّ هنا تحميله وحده كل اللوم، هو عاش ليلة جيدة فيها عصير وطلب مسامحته من زوجته التي كانت تنكل به مساء كل شجار.

هي بالإضافة لذلك قد أراحت ضميره الحداثي باقتراح أنه لا يجب عليه إخفاء اسمها على الآخرين بعد الآن، فهي قد سمعت في ذات الحلقة أن النبي لم يكن يخجل من اسم زوجته عائشة أم المؤمنين.

تمويل المطبوعات والندوات وحركتنا وحركة التحديث هي من مصادر تقليدية وهكذا تمضي الحداثة عندنا أيامها مثل الذي يصلي خلف عليّ ويتغدى عند معاوية .

ربما لا يكون المثال دقيقاً غير أن الحديث حتى عن الحداثة يحتاج لتوضيحه لمثال تراثي عتيد وها أنا قد أعطيت المثال الحي على الفصام الوجودي الذي نعيشه في حاجتنا الدائمة لكل القديم يساندنا للمضي قدماً في التجول بشخصية الحداثة وتجدهم في قوائم الأحزاب وقوائم الدول الراعية ومقايل الذهن البدائي وإعانات الأحزاب والسلطات وحتى الإعانات الخارجية يمكن تسميتها مورداً بدائياً من كونها استجابة لأسلوب يمني قديم في الاشتغال على التحديث.

يقال إن أغلب نخب العالم تقتات الوهم وتعيش ولو على المورد الذهني للبداءة حال تكشف للعالم جملة الانحيازات الوطنية والعرقية لتلك النخب كلما كان عليها إعلان انحيازها.

المال بيد الماضي وممثليه ونحن نريد القليل منه لننشط حداثياً ونحتاج لمورده الذهني من المرويات لنعيش عليها بما يشبه مراجعة التراثيين أن يفهموا التراث بطريقة مخففة قليلاً، كأن نحاول إقناع الإسلاميين بفهم خاص نجهد في جعله حداثياً وتفسيراً ليبرالياً للأحاديث والآيات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق