الخميس، مارس 14، 2013

خيانة المثقف


محمود ياسين

الفعل الإيجابي للمثقف هو في شروعه في النشاط.

لقد كرهت تبرم المثقفين من المشائخ والقبيلة والمتزمتين.

نوع من تكرار شكوى تظهر أحدهم مميزا ومدركا لكارثة الوطن، وهو أصلا يمثل كارثة لا تكف عن التبرم.

ولقد كان بوسعنا المضاربة على المنصة، واقتطاع حقنا في الوقت الكافي، لنقول للناس في الساحات ما نقوله لبعضنا الآن وقد أفلتت الأمور من أيدينا، وقد تركنا للعسكر والمشائخ وأحزاب الماضي صياغة الحالة وفقا لقدراتهم الوطنية، لنتهمهم الآن بخيانة الحلم.

المثقف في إب غادر "خليج الحرية"، ليشرب الشاي بالحليب في البوفية، متأزما ومواربا، ولا يدري كيف يحمل صوته ورؤاه للناس، فقامت اللجنة التنظيمية بالعمل الثوري على طريقتها المرتجلة التي هي خليط من ذهنيات غير منسجمة، تسعى فقط لتبقى حالة ضدية لعلي عبدالله صالح، وليس ضدا للتخلف.

لقد تواطأ أغلب مثقفي تعز مع تنصيب مقابل مشائخي في تعز يضاهي مشيخة صنعاء، وكان اليمن، وربما بقية العالم المهتم بثورة تعز، كان حينما يحدق في تعز يرى حمود المخلافي.

لقد ضجوا رؤوسنا بنخبوية تعز ومنظريها، وحذقها، وخبرتها السياسية الحزبية الممزوجة بالمعرفة، وأيام الثورة أظهرت تعز بنادقها وقدرتها على أن تثبت أن لديها هي الأخرى قدرة على التلويح بالعنف الثوري، إن لم تمارسه حقا.

أين ذهبت الكتب والأدمغة والتنظير إذن؟

شخصيا: أخبرت نفسي أن تعز وجدت أخيرا الفجوة التاريخية لتثبت من خلالها نجاعة شخصيتها الفكرية النخبوية، وستمنحنا أرتالا من الأفكار والأسماء، لنكتشف أن كل الذي سمعناه عن نخبوية تعز على مدى عقود، كان يستحق الإصغاء، وأنه ليس مجرد مباهاة مناطقية بقدر ما كان مخزوننا الاستراتيجي الهائل، والذي بقي محاصرا ليجد في الثورة منفذا ليتدفق كمورد وطني يعيد حتى تعريف تجربة اليسار في ليالي ستينيات وسبعينيات تعز، لنفهم كيف أن "الحجرية" حقا كانت ريف عدن، كما يقول الدكتور السقاف، لكن يبدو أننا جميعا ريف نزعاتنا المناطقية، حتى ونحن نتأبط الكتب.

لقد تمكنت ممارسات تعز ثوريا من إرباك علاقتي بذاكرة التجربة اليسارية في تعز. وبدلا من الحصول على ما كان غائبا أو ناقصا من نموذج وحكاية المثقف التعزي ونضالاته، حصلت على ريبة مناطقية تتدخل في تفسير أهم الأحداث الوطنية والأزمات التي كانت تعز تمثل فيها شخصية محورية تمثل ضدية متمدنة تحاول مجابهة العسف البدائي القادم من أقاصي الشمال.

كأنه ليس لدينا أساتذة جامعات ولا شعراء، ولا قادح من أي نوع لنفصح عن قوة الأفكار من خلال الفرص الكبيرة.

وأية فرصة لتحديث البلد أكبر من هذه الثورة؟

يبدو حقا أن علينا التسليم بمقولة ارتباط الثورة كفكرة من حيث المبدأ بالغوغائية والعنف والتهريج الوطني ضمن حالة من عسف العقل وإرهابه.

لكن المثقفين في تاريخ أسوأ الثورات أكملوا طريقهم للنهاية، وجابهوا تلك الغوغائية الثورية، وتم اقتيادهم للسجون والمشانق.

نحن تصالحنا مع التهريج من أول يوم، وربما حاول البعض قليلا، غير أن التفكير في النهاية أثبت في اليمن أنه شكل من برستيج شخصي، أو سبب للارتزاق أو مباهاة مناطقية.

صمت مريب ومخزٍ بمزاج عاهة تقوم بصمت بلملمة كل الأسباب الوجيهة التي تمكنها لاحقا من الحياة بشخصية عاهة مظلومة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق