الخميس، مايو 02، 2013

وجود كاذب وكذبتين في السياسة


محمود ياسين

في ما له علاقة بما أقوله للحياة، فأنا إذن في أول أبريل منذ وعيت العالم، ذلك أنني عشتها أكذب عليها.

سأكذب الليلة أيضا لو قلت لكم إنني لم أكذب عليكم ولا مرة واحدة في الذي كتبت خلال هذا العام.

أظنني فعلتها مرة أو مرتين ربما، ولم يكن ذلك بغرض تزييف الوعي، ولكنه كذب المتعجل الذي يحتاج لملء فراغ بكذبة. لكن تذكروا لقد حدث هذا مرتين على أكثر التقديرات نزاهة وحرصا ومسؤولية، وكانتا كذبتين تخصان عاطفتي تجاه الآخرين فقط، وليست معلومات كاذبة، إذ كذبت مرة عندما قلت إنني أعول على جماعة معينة، وأخرى عندما قلت إنني يائس من تغيير أي شيء. ذلك أن في أعماقي أملا أصيلا لا يكف عن الاحتدام، النزاهة الصافية متعذرة، وكل ما لدى أحدنا في أبريل هو التمسك بكذبته تجاه الحياة عموما، ذلك أننا جميعا خراطين يكاد أبريل يندهش من خرطنا الجماعي ونحن ندعي الاستيقاظ والحياة، ناهيك عن أن نسمي أنفسنا عايشين ولو كرد لسؤال بلا إجابة: "كيفك؟"، فنقول: عايشين ههههههههههههههههه حلوة عايشين هذي، لا موسيقى ولا عروض مدهشة ولا مجازفات ولا أناقة، وعايشين.

كذبة العيش هذه ضرورية، وأنا أعتبرني المفتي الوجودي خاصة الشلة، وأبيح لنا كذبة العيش هذه، ذلك أن الصدق في ما يخص نمط حياتنا، يعني أن يلقي كل منا ما بيده ويتصرف على طبيعته كأي ميت محترم وصادق.

الانتخابات تجربة الكذب العظيم والمكثف، عندما رشحت نفسي لعضوية مجلس نقابة الصحفيين، لقد أمضيت اليومين الأخيرين قبل الاقتراع، أكذب وأقول لنفسي: "كذب مرشحين عادي". وهكذا ظللت أبتسم بشدة، وأضغط على فكي مبتسما على مدى يومين، ولم أكتشف أن فكي يؤلمني من الابتسام إلا وهم يفرزون الأصوات، ورئيس لجنة الفرز يقول: محمود سعيد، مع أنني ابتسمت لهذا الذي انتخب محمود سعيد أكثر مما ابتسمت لأي واحد آخر، ذلك أنه كان يناديني محمود سعيد على الدوام، وهو صحفي يعمل لمجلة زراعية أظن، وبقيت أنبهه في مدخل قاعة الاقتراع، وأنا أبتسم بالطبع، وأقول له أنا محمود ياسين انتبه، ولو تدري كم أنني أحترمك وأقدرك وأعتبرك من أذكى الصحفيين، وأتابع كل تحليلاتك الزراعية.. كذب.

تجعلك الانتخابات دمثا كذابا كأي رجل يريد تحقيق فوز مزيف، ويتجول في قاعة مكتظة بالأكاذيب، وشد الوجه والوعود الكاذبة، إذ وعدت كل من طلب مني أن أصوت له على أن يصوت لي بالمقابل، ولو أحصينا مجموع تلك الكذبات لفزنا كلنا أكثر من 100 مرشح، وهذا متعذر، غير أن الأكاذيب هي الممكن الوحيد المتفق عليه عندما تبدأ قاعة المركز الثقافي في التعرق وحك الصدر.

يتلبد الجو بالدخان، إذ إن الجميع يدخنون تقريبا، ولا يتلبد الجو بالأكاذيب كما يروق لبعض البلاغيين المستحدثين ترديد جملة "جو ملبد بالأكاذيب"، إذ يتلبد الجو بالمحسوس، أما الأكاذيب فهي أشباحنا الحميمة التي نتعرفها بتخاطر القلب مع ما يحتاجه ضعفه وقلة أصالته كقلب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق