الأحد، يونيو 16، 2013

أحاول الإصغاء للجنوب


محمود ياسين

كلما تساءلت عن تأثير صعود رئيس جنوبي لسدة الحكم على مستوى نقمة الجنوبيين ورضاهم لا أتلقى إجابة ترضيني، الجميع يتحدث عن أن المشكلة أعمق دون أن يقبل بإلحاح فكرة أن هذا رئيس جنوبي أثناء موجة غضب يأتي الاستئثار الشمالي بالسلطة كدافع أساسي فيها.

أنا لا أقول إنه كان عليهم العودة إلى بيوتهم والنوم مبكراً باسترخاء لمجرد أداء هادي لليمين الدستورية، ذلك أن كشوفات المظالم والنفي والإبعاد والنهب لا تسوّى تلقائياً، لكن هناك تأثيراً قوياً بالضرورة لا أدري كيف أستظهره ولا أين أجده وحتى الناشطين في الحراك ممن أصادف يمطون شفاههم غير مكترثين أو معولين على وصول جنوبي للرئاسة، لكنهم يدافعون عنه في حال تعرض لنقد ما ويعتبرها البعض مؤامرة ضد الجنوبي الكبير في صنعاء، وهادي الآن يستأثر بحصة الجنوب ويوزعها بمعرفته وأخشى أن تلقي رواسب الزمرة والطغمة بظلالها على طريقته في استخدام ما وصل إلى يده من مفاتيح للمعضلة ولو كانت محدودة، لكن تأثيرها سيكون واسعاً وعميقاً. المهم أنني هنا إذ أسأل عن "ما الذي يريده الجنوبيون" على وجه التحديد؟ أعرف أن إجابة مختزلة في "استعادة دولة الجنوب" هي المتاح الوحيد الآن، لكن استبيان ما يريده الجنوب ينطوي أيضاً على استظهار الإرادة الجنوبية وكيف تفصح عن نفسها وليس مجرد تعريف بسيط لفك الارتباط، ولا يكاد أحدنا يتعرف إلى الصوت الجنوبي المنسجم مع واقع قدرة البلد برمتها على الاستجابة الآمنة للمطلب الجنوبي الكبير، وفي التفاصيل ألاحظ مشاركة في مؤتمر الحوار ويصدمني مثقف جنوبي يشارك في الحوار بفكرة أنه لا أحد من المشاركين باستثناء محمد علي أحمد ربما، لا أحد يمكنه إقناع عشرة غاضبين جنوبيين بالعودة إلى بيوتهم على أساس أنه قد توصل لحل يستجيب لغضبهم،

لا أدري ما الذي يريده الجنوبيون على وجه التحديد.

أنا لن أتعمق وأبذل طاقتي كلها في استكناه جوهر الإرادة الجنوبية، لقد حاولت بطريقتي الإبقاء على جوهر انحيازي لفكرة الحقوق وضداً للمظلومية ولقد تخليت طوعاً عن الشكوى للجنوبيين من أننا جميعاً نرزح تحت وطأة ظالم واحد هو التخلف، لا لم أتخل عن ذلك طوعاً للأمانة، لقد تخليت عنه تحت ضغط النرفزة الجنوبية من أي مزاحمة شمالية لهم على باب المظلومية المزدحمة بقوة اندفاع جنوبي لا يريد رائحة أخرى تشوش عليه قوة اندفاعه الشافية المصقولة.

في كل لقاء وكل أخذ ورد في ندوة أو مقيل أو في الفيسبوك يصرخ الجنوبيون في وجهي وأنا بالمقابل وتحت تأثير المظلومية الجنوبية أنصاع لهذا الصراخ وأحدق إما في وجه من صادفته في المقيل من ردفان أو من الضالع أو أحدق في شاشة الكمبيوتر عندما يمنعني المثقف الجنوبي حتى من مراجعته بلغة أتعمد أن تكون حقيقية متفهمة تناجي فيه حس اللاعنف وأحاول الاتكاء على ما اتفقنا عليه مسبقاً من كونه جنوبياً متمدناً نوعاً ما، فأقوم أراجعه من خلال مقاربات وأخويات وتسامحات الشخصية المدنية لكنه يشعر فوراً أنني إنما ابتزه وكأنني في كل مرة مهما استخدمت من أبيات شعرية أو نظريات أنثروبولوجية إنما أنا حميد الأحمر وقد اقتحمت ندوة يجب أن تفضي في النهاية لاتفاق بين الجنوبيين أنفسهم على حتمية فك الارتباط، إذ أن الاتفاق النظري مع أي إنسان من منطقة محسوبة على الشمال يجعل صديقي الجنوبي يتحسس أشياءه مرتاباً من فرط ما يبديه أحدنا من استعداد للاستجابة للمطالب الجنوبية فيشعر هذا الصديق وكأنه علي سالم البيض يوشك على التعرض لخدعة أكيدة.

لقد دخلت العقد النفسية من النخيط إلى الخداع في أي تواصل مع الانفعال الجنوبي فينفعل أكثر حتى وأنت تبدي كل ما بحوزتك من تنازلات لا تملكها، ذلك إنني مجرد كاتب وبالتالي ليس ما أقدمه تنازلات بقدر ما هو بحث عن طريق آمن لنا جميعاً، وللأمانة فإنه كلما تقمص الصديق الجنوبي في الحوار شخصية البيض الذي يواجه احتيالاً لا يعرف تفاصيله كلما تسللت بالمقابل روح علي عبدالله صالح داخلي لأعرف أننا جميعاً قد سمحنا للأذية أن تحول بيننا وبين أي تواصل متعافٍ.

كتبت مرة أنه يكفي من خسائر فك الارتباط أن لا يعود لدينا هدى العطاس، ودخلت صفحتها أناقش معتقداً أنني محل ثقة، ولم أدر إلا وهدى عند أول اختلاف تصرخ بوجهي "ليغادر أي شمالي صفحتي الآن"، وأنا الذي كنت قبلها مثقفاً وكاتباً لطالما كان قريباً من القلب الجنوبي المكلوم فمنحني الغضب الجنوبي هوية شمالية صرفة تتكون من مهدي مقولة وحميد الأحمر والزنداني ومنير الماوري أضف عليها شكلاً من نكهة خيانة المبادئ والمثل المدنية، وأنا إنما كنت أراجع بدماثة بما يشبه "أرجوكم لا تتركونا وحدنا".

الحراك غاضب ولقد تحول الآن لما يشبه ثورتنا بعد انضمام علي محسن ورموز النظام السابق، ولقد اختلط الوجه المظلوم الآن برائحة أغلى العطور الفرنسية لأمراء الكسب والفرصة المتأهبين دوماً للقفز على أي حلم وتوجيهه، بينما أبادل أنا وغيري سوء الفهم والانفعال مع هدى العطاس وغيرها، يخلص نبلاء المعسكرين المتضادين دوماً إلى صيغة ما، ذلك أنهم يفهمون بعضهم جيداً بلا مبالغات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق