الخميس، يوليو 11، 2013

بين المدينتين


محمود ياسين

بين إب وتعز لا أخشى شيئاً مثل "عقبة الأشروح"، أو لا أدري تسميتها بالضبط، ذلك أنك في "عقبة الأشروح" مثل لاعب سيرك، ناهيك عن أن الراكب إلى جوارك من ذلك النوع الذي يسرد عليك بدأب كيف أن قاطرة ركبت سيارة قريبة من نوعية سيارتك، ويستطرد في "عقبة الأشروح"، كيف أنهم أخرجوا الراكبين؛ السائق وصديقه، من السيارة الملصوقة تحت القاطرة؛ أخرجوهما بالصنارة، وقد ملطا تماماً. بودي لو أخبره أن سردياته هذه سرديات عدو، ذلك أن الصداقة يفترض بها منح الطرقات انسيابية الرفقة على أغاني نانسي عجرم، وليس سرد حماقات القاطرة.

أصل تعز، ومثل كل مرة أحن فوراً لإب، ويتقمصني دور إبي مفترض، إذ إنه كان ينبغي عليّ البقاء في إب، والكتابة عن همومها، ولقد أرهقني تجشم تمثل صوت إب، فأنا أكره آباء المحافظات المدربين على حصول بلادهم على العدالة. وأفكر أنه ينبغي على الإنسان محبة بلاده بدون إذكاء لعلاقة سياسية معها ضمن عملية تطوير عاطفي لعلاقة عادية بالمكان.. ذلك أنني كلما حاولت تسييس الظهار بإب، اجتاحتني مشاعر تعزية صرفة، وينتهي الأمر بأن أسرد لنفس الأسباب الوجيهة للتخلي عن تقليد المزاج السياسي التعزي، ذلك أن سياسيي إب ليسوا في المتناول، ولا أكاد أتعرف لرموزها، أو الذين تبقوا من رموزها، إلا في صورة الشيخ عبدالعزيز الحبيشي، الذي حوّل مظلمة إب إلى دعابة وشكل من التهكم، بينما يأخذ أبناء تعز متاعب محافظتهم بكل جدية، حتى إنهم لا ينكتون على تعز كما نفعل نحن، ذلك أن مزاجنا مولع للغاية بالتهكم ومآثره، مقدمين التهكم على بقية الخيارات. والفارق بين مزاجي المحافظتين أشبه بالفارق بين اثنين من اللاعبين؛ أحدهما يلعب مهتماً بأن يدهش الآخرين، والثاني يلعب ليكسب فقط.. تعرفون بالطبع من يسعى للإدهاش، ومن يهتم للكسب.

المشكلة أن مشاكل إب ذات ورطة لها علاقة بورطات مناطق التماس بين هويتين، وأنا حقاً لا أريد اعتبار "من سمارة ومطلع" هوية تقابلها "من سمارة ومنزل"، ذلك أن الفارق في نطق القاف لا يمكن اعتباره حداً فاصلاً بين هويتين، لكن هناك متاعب لها علاقة بفقدان إب الوعي بذاتها، ليس لأنها بلا ذات، ولكن لأنها لا تجيد الانحياز.

والعبارة الأخيرة هذه غير واضحة، ولا تستحق الإمعان، وهي تفتقر للعمق من كونها عبارة تحاول أن تبدو عميقة. ثم إنه من الذي قال إنه ينبغي تحليل مزاج كل محافظة، وتمييز هذا المزاج عن المحافظة المجاورة التي تستقبلك بمطب هائل أمام بوابة مصنع أبو ولد، وأنت تفكر في مطار الحوبان، مندهشاً من أنك مررت كثيراً إلى جواره دون أن تلحظ ولو مرة واحدة وجود طائرة تحلق قريباً في أجواء المطار.. ناهيك عن تساؤل جاد حول ما إن كان مطار تعز بلا سلالم، وأن المضيقين يرجمون حقائق المسافرين على أرضية المطار، ثم يقفز كل مسافر خلف حقيقته.

النكتة ابتكرتها إب بالطبع، وذلك ضمن سعيها للتقليل من مزايا تعز بالتهكم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق