الجمعة، أغسطس 30، 2013

عواطف حول الرئيس


محمود ياسين

الكتابة رداً على الرئيس تصبح وظيفة غبية، وإن راقت الناس، واعتبروها اهتماماً بالمتن، ذلك أن الرئيس لدينا متن كل شيء. تدور حول الرئيس جملة آمال ومخاوف، ومنه يأتي المصير والنقود والمدرعات.

يمكنني القول هنا إنه مهما توهجت حكمة الرئيس، فذلك لا ينفي كوننا بلداً فقيراً، وهذا بالطبع لا يعفيه من خطورة الإنفاق من المال العام بلا حساب.

نقول ما الذي حصلنا عليه؟ ونبدأ المقارنة بين رجلين معتقدين أنه ينبغي للأخير الذي هو عبد ربه، أن ينقذنا، دون أن ندري على وجه الدقة ما الذي ورطنا فيه سابقه، أو لم يورطنا، ونعتقد أن جديداً قد طرأ، بينما في الحقيقة نحن مشدودون لنفس المتن الذي هو الرئاسة ذاتها.

الكارثة أن علاقتنا بالحاكم مدفوعة غالباً بعاطفة ساذجة، نعول عليه القيام بكل شيء، أو نحمله مسؤولية كل شيء. وهذا كلام قديم أصلاً قد كتبه 20 ألف صحفي، ومئات من الذين يطلقون على حياتهم "مفكر"، وكنت من أول المقالة بصدد فكرة السيادة وحاجة عبد ربه للتخلي الطوعي الآن عن بعض هذه السيادة، متحدثاً بشجاعة، في كلمة قبل يومين، عن عجز بلادنا أمام القاعدة والإرهاب عموماً، وأنه ما من طريقة غير الطائرات بدون طيار.

نحن نمضي مرحلة لا ندري فيها ماهية الرئيس، وأنا قد قلت رأيي الشخصي فيه، لكن الذهن اليمني العام يدور حول هادي دون أن يتبين ماهية هادي، وما الذي يمكنه فعله أولاً، وما يضمره أو يخطط له ثانياً. وأصبح علينا إمضاء السياسة ترقباً لرجل لا ندري هل نحاكم زمنه، أم نحاكم طبعه الشخصي؟

لا تعول على طبع هادي لإنقاذك يا صديقي.

يمكنك التخلي عن انتظار الأب المخلص، والبدء في طوق للنجاة، مما أنت فيه، والحياة التي تمضيها في انتظار الراتب، ستحشرك في متاعبها اليومية، وتهدم جهازك العصبي، وتمنحك تلك الكهولة المبكرة التي يتمتع بها منتظرو الراتب غالباً، بينما ستجهز هذه الحياة للرئيس أعذاراً وخصوماً ومتاعب سياسية، وتلاحقه بطريقتها في ملاحقة الرؤساء الجدد من ذوي الرتب العالية والمهمات التاريخية والضرورات الأمنية المتعلقة بالسيادة، ولن يلاحقه المؤجر مثلاً، أو مرض أمه في البلاد (ألا تزال أم الرئيس على قيد الحياة؟)، أو مصاريف دراسة أبنائه كما يحدث لك.

فلا تعول على رجل يعتقد أن حمله أثقل من حملك، وأن عليه استرضاء جميع الأقوياء، وليس مضطراً لاسترضائك.

ليس لأن هادي شرير، ولكن لأنك تحيا في شرق أوسط شرير يعرف كيف يضغط عليك كإنسان كل دقيقة، بينما يجد للحاكم -أي حاكم- ضغوطاً لا علاقة لها بالضغوط الإنسانية التي توهن الرجل، وتشتت حركته، وتعيده إلى بيته كل ليلة بمزاج يحمله كل خطايا العالم.

رؤساء الغرب معنيون بدرجة ما بالناخبين الذين هم أنا وأنت، ومثلي ومثلك، ويحاولون استرضاءهم، وادعاء تحمل جزء من تلك الضغوط الشعبية، ذلك أنهم يترأسون بلدانهم بالاختيار، وليس بالضرورة، وتجنب خطورة المنعطف التاريخي.

يمنحونك في هذه المنطقة رئيساً لضرورة تاريخية، وفي مرحلة من أخطر المراحل. كل رؤساء هذه المنطقة يأتون استجابة لتحديات مرحلة، وتجنباً لمخاطر.. إذن عليك التزام الصمت، والتوقف عن مطالبة رئيس بإنقاذك كمواطن، فهو مكرس لإنقاذ مرحلة وزمن، وتجنيب الوطن ويلات كثيرة لا نعرف طبيعتها، لكنها ويلات. ونبقى ندور ذهنياً حول متن الويلات والضرورات، حول رئيس مهتم بالوطن، وليس بالمواطن، وكأن الوطن هذا جملة أزمات سياسية لا أكثر.

ولن أسأل هنا: وما الوطن إن لم يكن الإنسان وأيامه؟

لا يوجد تفسير لحالة الفصام هذه بين دوران الحياة ذهنياً حول الرئيس، وحركتها يومياً بمعزل عنه.

وفي حياة كهذه التي في الشرق الأوسط، وتحديداً اليمن، تمسي هذه الحياة أشبه برغبة مكبوتة تلح يومياً على ذهن مركب بجسد منهك مضطر كل يوم للاستجابة لتهويمات هذه الرغبة بأمل مبهم، بينما يتجلمد في أعماقه يقين قاطع بعدم تحقق هذه الرغبة يوماً ما.

ولقد نشأ على عاتق هذه الضرورة السياسية التي نحصل بموجبها كل مرحلة على رئيس ضروري؛ نشأت بالمقابل ضرورة شعبية لأجل هادي، وهي خليط من الترقب ومخافة الشماتة.. وكأننا جميعاً بصمتنا ورجائنا المستميت في هادي، نحاول فقط تجنب ما نظنه اعترافاً بمزايا علي عبدالله صالح، وكأن ضرورتي الشخصية الصحفية الملعونة الآن تدفعني لتوضيح أن ذلك لن يكون اعترافاً وما شابه.

لسنا بحاجة لفضائل رئاسية نعترف بها أو ننكرها الآن، بقدر حاجتنا لمفارقة الحاكم نفسياً، والضغط عليه عملياً، دونما حب ولا كراهية، فربما يدرك الحاكم -أي حاكم- ذات يوم، أن حياتنا هي تعريف الوطن، وأن أزماتنا اليومية الشخصية هي الأزمات الوطنية.

نمط حياتنا المخرب هذا هو الملعب الذي ينبغي تسويته ليمضي الوطن قدماً، وسنكون واقعيين في مطلبنا الوطني هذا، ونتفهم أن معالجة أزماتنا كبشر يريدون حياة غير هذه الملعونة الأشبه بعاهرة لئيمة تقدمت في السن، ولا تزال طموحة؛ سنتفهم أن معالجة أزماتنا الحياتية هذه تكون بالتزامن مع معالجات سياسية فوقية، كالحوار الوطني وما شابه.. وبالتزامن أيضاً مع البت في أمر التمديد الرئاسي.

نحن كمواطنين عزل، ندرك الآن أن الرئيس لا يحتاجنا في حاجته للتمديد، فهي ليست عندنا، وليس مضطراً بالتالي لمقايضتنا بشيء على المدى المنظور.

لكن حتى في أعتى الدكتاتوريات، ما بالك بالرئاسة الضرورية؛ في أعتى الدكتاتوريات لطالما اكتشف النظام أو الدكتاتور أنه في الأخير، ودون أن يضع ذلك في الحسبان، مجبر على مقايضة المواطنين بشيء لديهم، قد يمنحه ذلك الشيء العاطفي جداً نهاية لائقة أو أقل مأساوية.

إن نفي فكرة الحياة اليومية للبشر، واستبعاد فكرة الناس تماماً، أثناء الاتكاء على رافعة الضرورات الوطنية المجردة، والاكتفاء بمقايضة حياة الناس مقابل الضرورات الوطنية، تحيل الوطن إلى وظيفة خروج من أزمة، وليس مكاناً لحياة وهوية.


وقد لا يحتاج هادي منا الآن كشعب تمديداً ليس في يدنا، لكنه يوماً ما سيحتاج شعباً بالفعل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق