الجمعة، أغسطس 30، 2013

التوجه مباشرة إلى الجموع


محمود ياسين

هذا ليس حلقة ثانية من مقالة الأمس فلا شيء مضجر مثل الحلقات حيث يلمح القارئ مثلاً (2-4) وما شابه والحكاية بسيطة للغاية، وتدور حول كيف أنه بوسع السلطات التوجه مباشرة لقلب المعضلات الوطنية التي تنشأ من حياة الناس المخربة.

حاول حرمان القاعدة من فائض الفتيان بمنحهم حياة وفرصة، ولا أظن الجنوبيين سيرفضون خدمات جيدة وقضاة عادلين وإن أعلنوا ذلك، غير أن حدتهم ستتراجع قليلاً مانحة فرصة ما لمنطق الحياة وعقلانيتها في الظروف الأقل سوءًا.

لكن هكذا يدمن كل من يفوض نفسه حلحلة معضلات البلد الشروع من حيث مصادمات وكلاء من التاريخ والجغرافيا والدين، ومنحهم تطمينات واعتمادات وحوارات (مع احترامي الشديد لمؤتمر الحوار الوطني) بينما تبقى بؤرة المعضلة في الأصل هي حياة قلقة لأناس بودهم لو تعفيهم السلطات من الانخراط في شيء غير حياتهم التي تجعلها أداءات الدولة حياة ممكنة.

يقوم ذهني الآن بمسح تاريخ أوروبا الحديث بحثاً عن سياسي أو نظام حاكم تمكن من تجنيب بلاده معضلة وطنية بالتواصل المباشر مع حاجة الإنسان، والأمر أشبه بما يسمونه تجفيف المنابع.

الطائرات بدون طيار لن تجفف منابع التطرف، وإرادة الجنوب ليست رهناً بمزاج محمد علي أحمد ولا حتى بتحدث الحزب الاشتراكي مؤخراً بدرجة ما لكنة جنوبية، وإن عاد البيض أو تحاذق العطاس أكثر، فهم في المحصلة معضلة خيار نخبوي وإرادة تمثيل سياسي يحاول أغلب هؤلاء طرح خيارات تمنحهم حقاً ما في تمثيل الجنوب ضمن تبني ما يعتقدونه الأقرب لمزاج الجنوب الآن وليس لحاجة الناس هناك.

هذا ليس نفياً لقوة تلك الأصوات أو اتهامها بالانفصال القاطع عن إرادة إقليم لم يجد غيرهم ولا يجد الوقت ولا المزاج للبت في من يمثله أو لا يمثله.

والحكاية أن العجلة لا تريد أن تدور في محاولة ملامسة الجنوب من خلال أصابع هؤلاء. فلتذهب السلطات مباشرة إلى إنسان هذا الإقليم ليس لرشوته ولكن لملامسة تعبه والأيام كفيلة باستظهار المحصلة النهائية، التي سندرك فيها جميعاً الفارق بين انفصال الجنوب وبين انفصال الإنسان عن وطنه عموماً، وقد انفصل عن شروط الحياة اللائقة وعن نفسه آخر المطاف.

لا أحد ساذج يقول إنها مسألة قرار وبسرعة تقدم للسلطات حلولاً، وحياة بديلة وتجفف المنابع فوراً. نعرف أن بنية السلطة الآن وأدواتها غير متاحة من كونها بلا أذرع؛ مع ما في كلمة أذرع من إيحاء أمني، لكنها سلطات بأجهزة دولة وأدوات تنفيذية غير متماسكة وفي حالة انهماك لتوفير أدوات للرئيس؛ ليس بالضرورة أن تتصادم مع أدوات الدولة؛ لكنها والضرورات كثيرة قد تؤجل تفعيل أدوات الدولة تلك إلى حين استكمال قدرة الرئيس ومؤسسته على السيطرة على أدوات الدولة. ولقد أكثرت هنا من كلمة أدوات ضمن تكرار لمأزق المصطلحات والتعريفات من أول المقالة هذه لحث القادر على الفعل في صنعاء لأن يسلك طريقاً مباشراً إلى الجموع.

وقد يبدي أحدهم دهشته مستنكراً: أتريد من الرئيس هادي الثقة برجال علي عبدالله صالح واستخدام قنواته؟ فتصمت لتتمنى لاحقاً لو أخبرته أن مجانبة النظام الأسبق ليس بمماحكة رئيسه، لتفرغ بعدها للتفكير في الذي حدث كله.


لدينا نقلة كان مزاجها ثورياً؛ غير أنها الآن بلا تعريف ولا وجهة، وقد تتمكن في حال وضعت السلطات الإنسان ضمن اهتمامها الفعلي من تجنيب هذه النقلة أن تكون مجرد قفزة في الظلام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق