الخميس، مارس 19، 2015

القاهرة


محمود ياسين

(صحيفة الأولى 7 مايو 2014)
اشتقت للقاهرة. مرة واحدة ولم تكن كافية تلك المرة، وكنا مجموعة صحفيين أنزلونا فندق دار المدرعات (وكأننا في دورة صاعقة).

تذكرت شوقي للقاهرة الآن، بسبب رسالة من نائف حسان يقول من القاهرة:

يا محمود، هل وجدت ما وعدك ربك حقا؟

لا أدري ما الذي يرمي إليه صاحبي، لكن الملفت أن الأماكن ترسل إلينا تساؤلا مرحا من صاحب ربما يتجول الآن في الحسين، ويجهد نفسه في التحديق إلى المقتنيات الأثرية هناك، وكأنه سائح من الدرجة الثانية.

كنا نتجول بين دار المدرعات ومبنى "الأهرام"، نتثاءب كأي موالعة يفكرون في الرازم الذي سيأتيهم في ليل المدرعات الطويل، كان أحدهم يترجل من الباص بباب "الأهرام"، ويغازل الفتيات هكذا: تدرسي؟

وفي المساء، بين شارع عدلي والهرم ومدينة نصر، حيث مقر الفرقة، وقريبا من قصر البارون، وهو يوحي في المساء بالغموض الفاتن من واجهته القوطية التي تنبعث منها تلك الانطباعات المكونة لديك من قراءاتك عن قصور أباطرة الشر الأوروبيين، وللدرجة التي تكاد تلمح في العتمة رداء درايكيولا معلقا في إحدى الشرفات.

في شارع الهرم قام أحدهم يرقص مع الراقصة، ففضحنا، وكأنه يلاحق "عردان"، وجاءت الراقصة وإلى جوارها الصوت المحمس، يهتف: اليمن، الجدعان، بلقيس، صنعاء.. رقصني يا جدع.

وإحنا مبزمين، ولا رجمنا بفلس، بينما كانت ذات العملية تمت قبلنا في الجهة الأخرى، حيث يقبع السعوديون بعقالاتهم ودولاراتهم المتطايرة. قلنا لأنفسنا: مسألة نفط.

يعلم الله كيف تكون القاهرة الآن؟

أتمنى فقط لو أجد المصريين في حال زرتها، وقد تخففوا قليلا من ولعهم التاريخي بتسمين المؤخرات، إذ كان ضابط الجمارك في المطار لا يكف -وأنا جالس أنتظر الجواز- عن التقاط شيء يسقط منه على الدوام، ومؤخرته كأنها تتعمد استعراض وجودها المتعسف أمامي مباشرة، فيثقل علي الانتظار أكثر.

هذه المرة، لن أعلق في القاهرة، إذ إنه من الباعث للشغف حقا زيارة أستاذك في صف ثاني ابتدائي طه أحمد محمد حسب النبي، المنصورة، جديلة.

المدرس الذي أخبرني خلسة أن أصل الحضارة المصرية يمني، وربما لم يكن ذلك دقيقا تماما، غير أن الأستاذ طه كان اشترى لنا من إب مجموعة القصص الأثيرة، ومنحني أول قصة، والتقط لي صورة بأول بنطلون في حياتي، ولم تكن مؤخرته ملفتة بأي حال.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق