الاثنين، فبراير 04، 2013

بودي لو..


محمود ياسين

كم أتمنى لو أسافر وأعبر الأطلسي لأجدني في نزل على طريق بين ولايتين أمريكيتين؛ إحداهما داكوتا، بودي لو أقرفص في جليد سياتل وأتوه في غابة بالجنوب.

أسمع عن تجولات الكتاب ومصادفة أحدهم لقسوة الحلم الأمريكي ورثائه، ويحظون بملامسة العالم الحر.

وأسمع أنني كاتب، بينما أتجول يوميا بين سعوان وشارع مازدا، أجرب كل مساء برنامجا جديدا لمكافحة السذاجة الوجودية.

بودي لو أصبح بحارا أو ناسكا في التبت، أو مصارع ثيران في إسبانيا.

بودي لو أشهد مهرجان الطماطم في الباسك، أو مهرجان النبيذ في جواتيمالا.

بودي لو أضيع في هوية سفينة بلا وجهة.

بودي لو ألامس الدنيا، وتعصف بي، وتختبر صلابتي وضعفي، وما أتمتع به من جنون.

ليتني أكنس ساحة خلفية بمعبد في شرق الصين، وأتجول بعدها لتهريب الكوكايين، متزعما عصابة أنجو من قرارها بتصفيتي، وأحمل المال أبدده وأبادله، وأنقذ المهجرين والأطفال وفتاة جميلة عالقة في أحد مطارات العالم.

تمر الأيام ولا مجازفات ولا جحيم ولا فردوس ولا فظاعات، وكأن أحدنا لا يستحق التفاتة من انفعالات عالم يختبر أرواح البشر.

لا يمكن احتمال أن نمر بهذا العالم دون أن يرانا ويمنحنا تجربة.

منذ وعيت وجودي وأنا أغادر من فرزة، وأنا أحتاج لمغادرة مرفأ دون أن أحاسب تاكسي، كما يحدث لي كل يوم، علي أن أحاسب عجوزا تدير مطعما أسسه زوجها في إحدى جزر الهند الشرقية، علي أن أجلس في ركن المطعم أرسم بالفرشاة العطنة وحدة امرأة مكتنزة تتجمل وتتماسك مقاومة كل ما يعترضها من إيماءات خيانة الذكرى.

أن أعزف تغول المرارة العدوانية لعجوز ذبحت زوجها وفرت مع عشيقها، تقف محدقة بعيون تنز بسويداء الكحل، كما كان يعزف على البيانو ذلك الفتى البحري الذي نسيته عائلته في السفينة وهو طفل وبجواره بيانو لا يخص أحدا، ورباه البحارة، وبقي هناك يلتقط إيقاعات الضياع والهجران والسذاجة، ومخاوف لصوص البضائع الصغار، ويضربها على إحساس البيانو، معرفا الوجود العابر في فيلم لا أذكر اسمه.

بودي لو أتعرف ملائكية الجانب المتعافي من العالم في امرأة سئمت ادعاء القوة وتقديم حياتها قربانا للظروف، لأخبرها أن عليها استعادة رائحتها، وأن تغمض عينيها وتقفز.


هناك تعليق واحد:

  1. لاشك ولا ريب أن لك روحاً طائرة تتجاوز حدود المكان والزمان لتسرح مع ما التقطه خيالك الخصب من أحداث وقصص وربما مشاهد هوليودية ثابثة في الأذهان ,إن رتابة عيشك وشغفك لتذوق طعم الجديد المختلف منقطع النظير وهو ولاشك ديدن روح الكاتب المتمردة على واقعها التواقة إلى تطليق المحلية إلى العالمية لكن غورك الذي يستصعب علي أن أسبر غموضه وما تصبو إليه نفسك التواقة ربما لايكون بتباعد الأسفار وتبدل الإنسان ياصديقي ,من يدري ربما تكون واقفاً الآن بقدميك فوق ماتصبو إليه... تحياتي وتقديري

    ردحذف