الأحد، مارس 24، 2013

مراقبة الحوار


محمود ياسين

حسناً ليكن أنهم غالطونا بشأن الثورة، وصرخنا ويئسنا وحاولنا، وأخرجت المبادرة لسانها، فلنحاول ليس مسايرة المبادرة، ولكن مراقبة هذا الحوار، مع احتفاظنا بكل احتجاجاتنا بشأن القوائم والأسماء المشاركة في الحوار، إذ لا سبيل لتغييرها الآن، لكن المثقفين والمهتمين المدنيين بمصير هذا البلد، قادرون الآن على مراقبة الحوار، ولو على الأقل لجعل نتائجه أقل سوءاً.

فكرة المراقبة الجماعية في "فيسبوك"، والكتابة للصحف، بدون اشتغال على الدعاية والاستقطابية، ولكن ليصل صوتنا للمتحاورين وللعالم، هي ممكنة جداً هذه الفكرة، وفاعلة وضاغطة، وبوسع أي مفسبك ذكي لفت انتباه المتحاورين لجزئية مهمة، والتدخل بين الجماعات المشاركة في الحوار، وبين طموحاتها الشخصية، من خلال متابعته لمجريات الحوار يوماً بيوم، واقتفاء التفاصيل، والتساؤل لماذا اقترح ممثل الحزب الفلاني كذا وكذا؟ وما الذي ستجنيه البلاد من أجندة جماعة ما؟ وبوسعه مساندة الأصوات التي تتصرف بمسؤولية، والاستمرار في الضغط على هذه العملية التاريخية بجملة ملاحظات واستفسارات ضمن نشاط محموم يتم فيه وضع الأفكار على طاولة المتحاورين، وإجبارهم على التعامل معها بما تتضمنه هذه الأفكار من قوة المنطق والصواب والمسؤولية الوطنية.

لا تعتقد نفسك مجرد حاصد لايكات أقل ذكاءً من الجالسين هناك يتحاورون بشأن حياتك ومستقبلك، أغلبهم يا صديقي مأخوذ ومرتبك بما يتوجب عليه تجاه جماعته أو حزبه. أما أنت، ورغم اقتراضك للمائة ريال التي تدفعها لمقهى النت، وربما أنك لم تتناول عشاءك بعد، لكن ذهنك أصفى من ذهن المتحاورين المشوش بأجندات وصراعات والتباس عام.. ناهيك عن أن ضميرك متخفف، وصدرك مليء بالهواء النظيف أو بدخان السجائر. وفي الأخير تعلم كيف تقتفي أثر دماغك وتصدقه، وتجعله يتكلم بصفاء في قلب الجلبة التي ستلتفت إليه.

سأخبرك سراً. مزاج الحوار كله متورط في الافتقار لرؤية قابلة للثقة والتصديق. حاول منح الحوار رؤيتك، مستعيداً في ذاكرتك كل حكايا من غيروا مسارات تاريخية من خارج الذهن السياسي الرسمي، ستجد في التاريخ فتياناً كانوا يشبهونك؛ متعبين، لا أحد يعرفهم أو يكترث لأمرهم، غير أنهم امتلكوا شجاعة تصديق كونهم مهمين، أو يفكرون في شيء مهم.

فكرة المقالة هذه أساساً هي من أجل التخلي الطوعي عن التبرم، ولو مؤقتاً، وإنجاز منظمة طوعية تراقب الحوار الوطني، وتضم مثقفين وأساتذة جامعات وناشطي منظمات.

انتهى أمر الأسماء، ولم يعد بوسعنا الرثاء طيلة الوقت، ومراقبة ما نسميه الغوغائية بمزاج حانق يرثى مصير البلد.

أنا لا أملك تصوراً متكاملاً لهذا الشكل، غير أنه بوسعنا بدلاً من الأسى، دفع الحدث، ليس بالضرورة للمدينة الفاضلة، ولكن لجعل الأمور أقل سوءاً.

سنبكي عندما نخفق. أما أن نبكي من الآن، فهذا ليس حكيماً، حتى وإن أخفقنا، وهذا ليس وارداً، فلقد قمنا بما علينا.

ييأس الإنسان وينشج ويتعالى ويسخر من الغوغائية. ويحبط ويتعافى، وإذا مر به حوار وطني، وكان بوسعه الانخراط في منظمة عمل طوعي لمراقبة هذا الحوار، فيجدر به أن يفعل.

لدينا متسع من الوقت للوجدان الرثائي المتعالي، ولن نخسر شيئاً الآن في حال أوجدنا لصوتنا ميكروفوناً وطنياً نزيهاً على الطاولة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق