الأحد، نوفمبر 24، 2013

أيامنا المربكة


محمود ياسين

هذا زمن "آح ولداخل"، كأننا متحسرون جماعياً، نخشى كل ليلة مقارنة أيامهم هذه بأيام علي عبدالله صالح.

هو لن يعود بحال إلا لزيارة أذهاننا، يخوفها بهذه المقارنة، ولن يعود لدار الرئاسة في الستين، لكنه يعود للخيار الذهني اليمني، ويختبره بمقارنة تبعث على الوجل.. فكلما احتجت ثورة وحس تغيير، رضيت بورطة هذا الزمن، وكلما هلعت من الانهيار الكلي للبلد، راودتك فكرة المقارنة بزمن علي عبدالله صالح، الذي أصبح الآن كرجل سياسة على استعداد لشراكة قوى المجتمع، واستخدامها في مشروعه الذي لا أظنه مشروع إنقاذ للبلد، بقدر ما هو مشروع انتقام من حلفائه السابقين، وفي أحسن الأحوال، قد لا يريد الإضرار بالبلد، لكنه يريد إلحاق ضرر فادح بعبد ربه، وبالإصلاح تحديداً، دون أن يغفل بالطبع حاجته لترضية رجولته التي لن تسمح بمرور ما يظنه المغالطة التي تعرض لها دون أن يفعل شيئاً. على أن كلفة انتقامه تلك ستكون باهظة، ولن يدفعها عبد ربه والإصلاح وبقية خصومه وحدهم، وسيدفعها البلد.

وكلما اقترفت المجموعة المزيد من الأخطاء، حصل مشروعه ذاك على المزيد من رهان المقارنة الفادح.

وكلما ارتكب هادي أخطاء وحدوية، حصل علي عبدالله صالح على فضيلة صوت الوحدوي بعد فوات الأوان، وكلما أصبحت أخطاؤه التي زلزلت الوحدة من إجراءات عسكرية ونهب أراضٍ وإقصاء جنوبيين، أقل فظاعة بكثير، إذ تخبو جذور تلك الأخطاء نفسياً أمام سياسة معالجة معضلة الجنوب بفيدرالية الإقليمين التي هي أصلاً "فك ارتباط"، وإلا كيف سيكون فك الارتباط أصلاً إن لم يأخذ شكل فيدرالية إقليمين؟.. والمقولة هنا لمحمد العلائي الذي يصف تبني الحزب الاشتراكي لهذه الفكرة على أنه سعي لفك ارتباط، بينما يسعى البعض للانفصال، دون أن يدري كيف ينفصل. بينما يضع الحزب لفك الارتباط قاعدة سياسية فيدرالية، وغطاء أخلاقياً موارباً، يعمل من عاصمة دولة الوحدة، ومن خلال الحوار.

لقد استيقظنا على أيام التخلي الكامل عن كل الذي كان يدافع عنه علي عبدالله صالح علناً...

وكأننا نعطي لأنفسنا الحق الأخلاقي في التخلي عن الوحدة، نكاية برجل نقول عنه إنه يعلن وحدويته، ويدافع عنها، بينما كانت سياسياته غير وحدوية..

لا أقول إن دافعهم هو النكاية فقط، لكنني أتحدث عن عاطفة النكاية كغطاء نفسي. هذه معضلة مزيج من جملة عقد نفسية وسذاجة سياسية نبدد فيها مؤسسات الدولة ومنجزات شعبنا على أنها بطريقة ما قابلة للأخذ والرد، كونها مرتبطة بزمن علي عبدالله صالح، على أكثر من مستوى، بما في ذلك الجيش، وتحديداً الحرس الجمهوري الذي كان زهرة الجيش اليمني. وبدلاً من استبدال ابن الرئيس السابق بقيادة وطنية، قمنا بتبديد الحرس، وتم نقل مصير الحرس وتكويناته من يد ابن الرئيس السابق، إلى يد ابن الرئيس الحالي، ليس لقيادة قوة الحرس كما هي، وبكامل قوتها، ولكن لتوزيع هذه القوة وفقاً لحاجة العائلة الجديدة، وليس لحاجة بلد متضعضع، من المهم للغاية أن يحتفظ بقوة عسكرية متماسكة تدين بولائها لفكرة الدولة المتماسكة التي تمد وجودها وسلطاتها إلى كل مربع في اليمن.. اليمن الذي يزاحم جيشه الآن تواجد مليشيات عسكرية تتحكم في مسارات السياسة، وتحدد نسب توزيع وجود الكيانات وأولوياتها.. ناهيك عن الصراع في ما بينها، مهددة ما تبقى من فكرة الدولة، وتجعل هذه المليشيات من فكرة الحوار نشاطاً أقرب لتفاوض قوى متحاربة، وليس حوار وطن يعاني اهتزازاً بالغ العنف.

هل يمكن بعد هذا القول إننا نحتاج عبد ربه؟ نعم نحتاجه بشدة في وضعية كهذه، وعلى كل توجساتنا من نواياه بشأن الجنوب، ومن محاولة البعض الترؤس كل على حدة، على حساب رئاسته. ورغم بعض إيماءات المقارنة، إلا أننا نحتاجه ممثلاً لفكرة الخيار الشعبي، ولو على سبيل إحراج الرجل، واستعادته من كل الذي هو عالق فيه.. استعادته من عواطف يناير 86، ومن خططه غير المأمونة بشأن الجنوب، ومن فخ المسافة التي علق فيها بين علي محسن والإصلاح من جهة، وبين علي عبدالله صالح والمؤتمر من جهة. على أن معضلة يستحيل حلها، وهي إقناعه أن حاجتنا له كشعب تتناقض مع ركونه لحاجة الأطراف في الداخل والخارج، لرئاسته، وأن عليه الاتكاء على أبناء شعبه، وليس على بن عمر.

هذا طموح عظيم، إذ من ومتى وكيف يمكن إقناعه بهذا كله؟

وكأننا بحاجة لوجوده بقناعات غير التي تكونت لديه خلال العامين الماضيين.

لا يمكننا استبداله الآن بأي حالة انهيار لن تقوضه وحده في هذه الظروف، إذ إن ما تبقى سيتقوض على عدم رضانا عنه.

والغريب أن ردة الفعل السياسية تجاه أخطاء علي عبدالله صالح، ذات الصلة بالجنوب وبصعدة، كانت أقل حدة أيام وجوده على الكرسي.. واتخذت الآن، وقد رحل، طاقتها القصوى، وكان يفترض العكس.


وأظن لهذا علاقة بالفكرة البسيطة حول طغيان الضحية عندما تتصلب وتبالغ في استيفاء حقوقها بأثر رجعي.. ومرتبط بمبدأ الفرصة السانحة، وليس بمبدأ العدالة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق