محمود ياسين
ما الذي يجدر بي فعله لأفرح تماماً بروايتي
الأولى "تبادل الهزء"..؟
لم تتقمصني شخصية الروائي، وقد رأيت الغلاف،
وردة فعل القراء، ذلك التقمص الفاتن الذي كنت أعمل له بروفات أيام الثانوية، حيث أرتدي
بالطو غامقاً، وأتملى الوجود بسردية نفسية غامقة مثل ياقة البالطو، ومثل الصورة التي
في ذهني لديستويفسكي في شتاءات موسكو بعد انتشار رؤاه الكابوسية في رواية "الجريمة
والعقاب".
ليس في الأمر هنا ما قد يدفعني لتبرير هذا
الطموح المزاجي الذي يبدو عالمياً بدرجة ما، كأن أوضح هنا أنني، وبتواضع جم، مدرك لحجمي
اليمني الأقل جدارة من حلم كهذا.. فأنا أكتب في الرواية على أنها ستوضع يوماً حيث تستحق..
غير أنه من المحبط أحياناً التفكير في الرقم 70، فهذا رقم غير عالمي البتة لعدد نسخ
ستوزع في اليمن، مع أن الدار طبعت ألف نسخة، غير أنني أفكر فقط في الـ70 خاصتي، متسائلاً
لمن أهديها..
البارحة انتابتني موجة إشفاق على نفسي أو
على أناي الروائية، وأنا أعرض على أحد رجال الأعمال أن يطبع كميات إضافية، ويمنحها
لمؤسسة توزيع تعيد له القيمة. هذا بالطبع بعد مقدمات لها علاقة بالكرامة، وكيف أنني
روائي، ولست أحد مرضى السرطان. ولقد اجتهدت في تبيان أن هذا العرض تجاري محض، ولا علاقة
له بالانبهار الذي يبديه رجل الأعمال هذا بكتاباتي، وكدت أقسم له في الرسالة إنه لن
يخسر فلساً واحداً، حيث يمكنني إحضاركم بكل شغفكم كمستهلكين يضمنون له نفاد الكمية،
وبالسعر الذي يريد..
أتدرون؟ أنا سأتمكن من إيصال "تبادل
الهزء". خلال أسبوعين، وبما يكفي لاختبار كل هذا الشغف الذي تظهرونه لما أكتب..
أنا فقط هنا أبادلكم حديث استيهامات الكتابة والتقمص الفني، وورطة أنه لم يعد أحد يتاجر
في الكتب.. أريد للرواية أن تصل إلى حيث يتجول الشغف السردي رفقتي في مساءات المدن
والطريق إلى القرى، فهي كتبت لكم، وليس لناقد عربي قد يربت بتشجيع على ظهر السرد اليمني،
فأفرح بهذا، وأكتفي به، على أمل أنه ستأتي دعوات مهرجانات روائية في العواصم العربية.
ما يهمني بالدرجة الأولى، هو الحصول على
ذبذباتك السردية اليمنية، أنت الإنسان الذي يقتات تعرية الوجوه، والبحث في جذوره عن
رائحة أصيلة لأكثر نزعاته الآن أيروتيكية وعرقية.
بودي لو أحصل عليك يا صديقي في واحدة من
صفحات "تبادل الهزء"، أحصل عليك مفتوناً تقرأ متعافطاً مع وسائد غرفتك تحت
الطاقة، وتدخن كمران، مردداً: "يا بن ياسين يا ابن الذين"، لحظة أن أريك
خشب السقف المعوجات أول وعي لك بوجودك البيتي، أو عندما أتواطأ معك على استبدال الحذر
الأصيل الموهن لك، بموجة استياء مستحقة في وجه عالم نذل لا يكف عن ابتزازك، أو وأنت
تقتفي أثر المصائر والأيدي المعروقة وقد تخلت طوعاً عن التشبث بدنيا متعذرة، فانصرفت
لرجاء النجاة من فضيحة الحياة.. يجب أن تتوزع "تبادل الهزء"، وتصل، وترافق
خطوات إلى المقيل، وتتواجد جوار مثقف على طاولة في مطعم علي حمود للفول، وعلى جانبي
أصابع قارئ فاض به الكيل، وقام يصرخ: خلوني ما أشتيش عشاء، أنا مشغول.
لعل هدف السرد هو تبادل انشغال، وتبادل
هزء ومرح، وتبادل وقت مقتطع من صخب ما نحن فيه، ومن عمق ما نحن عالقون، ومن البحث في
السأم ذاته عن هزء ما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق