محمود ياسين
كيف أكتب عن السيئين دون أن أصيب الجيدين بالإحباط؟
الشر يتجول ونحن نحاول أن نقول له
"رائحة فمك كريهة"، وليس من الصواب أن يتعرض كل هؤلاء الأذكياء النزيهين
للإحباط، وعليهم تذكر مقولة ذلك القائد العسكري، الذي قال: "أعرف أن جنودي لا
يحبونني، وأن الشتاء قد حل، وأنفي طويل، لكنني سأنتصر في النهاية".
صحيح أن بيادة الفرقة الأولى تسعى لدهس
آخر معاقل المدنية في جامعة صنعاء، وتريد استكمال ما أفلت من يد العسكر على بوابة الجامعة
في ساحة التغيير. وصحيح أن باسندوة غير كفء، ووزراء المشترك أشمتوا بنا علي عبدالله
صالح. وصحيح أن الشر يتقدم في بقاع العالم، بينما نجابه نحن شرا استيقظ للتو ولم يغسل
وجهه، ويحمل نقود البنك المركزي بشوالة على ظهره.. إلا أننا لا نزال قادرين عل التهكم
واكتشاف فجاجة من نهبوا الثورة بقوة أشداقهم، وليس بحذاقتهم، ذلك أن الفجاجة تتحول
الى قوة في مجتمعات بدائية نوعا ما.
أعرف رجلا ذكيا وحاذقا كان يتورط كل مرة
في شريعة أولاد عمه عند عاقل الأسرة في جو من الجلبة والمداهفة، ولا يملك المساحة لقول
ما لديه، والدفاع عن حقه، فيخسر. ليس بضعفه، وإنما بغوغائية أولاد عمه، ويغادر بيت
العاقل مبتسما إزاء فجاجة الحياة، ولا يستسلم. إذ يعمد لشراء كمية كبيرة من الهريسة
(كان يحب الهريسة)، ويمتدح حلو ما تبقى من العالم، ناهيك عن شراء القات الجيد، والعودة
الى بيته مرتجلا؛ جوا احتفاليا تجلس في بهجته زوجته التي تجاوزت الـ50 عاما، تمضغ معه
القات، وهي مشقرة بالحمحم، ويتبادلان كل الفكاهات التي تكشف غوغائية غرمائه، وتقلل
من شأنهم، وعقب كل استحواذ فج على حقوقه، لا يدعهم ينتزعون روحه المرحة، وبقية من احتياط
البهجة في قلبه المتعافي.
يتجول الشر في العالم أنيقا ومتهكما وكامل
الضربات، وعلينا مجابهة الخجافة، والحؤول بينها وبين مساحة رقص أرواحنا على خرائب المحاولات.
لقد حاولنا، وسنحاول مجددا، والفتيان سيكتشفون طرقا جديدة لمقاومة ابتذال الجشعين وهم
يتحاصصون ويتحدثون عن العدالة.
في الحرب، بما فيها القذرة، يمكن اعتماد
التهكم شكلا للمقاومة. مقاومة الطائفية والعنف وزمن الجماعات واللادولة. أذكر أنني
صادفت مقاطع من فيلم يحكي كيف أن الشباب الفرنسيين كانوا يقاومون الاحتلال النازي بالرقص.
يا للهول! كم أنهم بارعون، وكيف كان ذلك الاستعلاء الفني بوجه غباوة السلاح، يجعل الفرنسيين
الراقصين أفضل.
لديك الأمل والتندر إزاء غباوة دنيا تريد
إقناعك أن كل شيء قد ضاع، لديك الفكاهة ونقاط ضعف الشرير وحكاياه المخزية، لديك وعيك
مقابل نهمه الحيواني، وهناك دائما بداية جديدة.
تذكرت بقية حكاية رجل الهريسة، فلقد مرت
السنوات وهو لا ينفكّ يشارع، باحثاً في ذات الوقت عن هيئة تحكيم جديدة داخل وعي القرية،
وانا هنا سأكون هادفاً إن أخبرتكم بأن وعي القرية انحاز إليه بمرور الوقت، ومات العاقل
وتقاتل أبناء عمه فيما بينهم. وفي تلك الأثناء ماتت زوجته، ولكنه لم ينس يوماً أن يسقي
غرسة (الحُمحم) ويمر على أرضه المنهوبة دون أن يطلق أحد عليه النار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق