الثلاثاء، يناير 08، 2013

البرع في سنحان


محمود ياسين

وجدتني فجأة بعرس في سنحان أبترع أنا وعلي محسن الأحمر.
كان يرتدي تلك الدجلة الشهيرة وأنا حريص على أن أبترع بشدة وسرعة حتى أنهك الجنرال وأتفوق عليه ولو في البرع السنحاني، ناهيك عن ميزة أن أجعله يبدو أمام ضيوف العرس غير قادر على مجاراتي وأنه فعلاً قد كبر في السن.

ورغم قلقي أثناء البرع من اعتبار الثوار أن البرع في سنحان خيانة لمبادئ الثورة إلا أنني عزيت نفسي أنني أبترع مع حامي ثورتهم وأنني إذ أبترع مع علي محسن وأنهكه وأظهره متقدماً جداً في السن فإنما أقوم بمهمة وطنية ثوية على عدة مستويات.

أولاً أقوم بعملية تيئيس الوجدان السنحاني وأظهر لهم أن عمرهم المتبقي في السلطة بدأ يلهث تحت تأثير السنين والثانية إظهار فتوة جيلنا أثناء ما كنت أبترع بعنفوان وأتواطأ مع قارع الطواس والمرافع حتى أن شباب سنحان كانوا منحازين لي ويهتزون على إيقاعي وليس على إيقاع علي محسن.
والأهم من ذلك كله دحض تهمة المناطقية الثورية أثناء ما أشارك في رقصة سنحانية وأجيدها.
ناهيك عن ميزة إدخال الفن كأداة جديدة في الصراع، ما بالك أن يكون هذا البرع تعبير عن صراع الأجيال.

الغريب أني طيلة البرع كنت على درجة من الحيرة بشأن تمسك علي محسن بدجلته الطويلة كل هذه السنين؟ وتساءلت: أهو شكل من المشيخة باسم الدولة؟ إذ ربما كان مشايخ سنحان التاريخيين يرتدون الدجلة التي تميزهم عن رعيتهم.
لاحظت أن أحد مرافقي علي محسن كان يضع فوهة الكلاشنكوف في فمه ويحدق في وجهي طوال الوقت وكأنه يتوعدني.

لم ألحظ وجود أي من الآثار الثورية في علاقة علي محسن أثناء البرع ببقية رموز سنحان الذين ظلوا في معسكر علي عبدالله صالح وكانوا حوله وهو يصفق لعلي محسن دون أن يظهر أنه يلحظني أبترع معه.

أحسست هكذا أنهم قد فطنوا بطريقة ما لأهمية استعادة شيء من عصبويتهم تجاه الزمن الجديد.

في الطريق إلى المسجد عاتبني علي محسن وألمح بطريقة حذرة إلى أن بعض الغاوين حاولوا إيذائي بسبب ما كتبته عنه لكنه ألزمهم حدودهم وحكى لي قصة أب كان ابنه يشغله ويؤرقه فأمسك باذن ابنه وهم في الطريق إلى المسجد قائلاً: هذي لك آخر مرة وقع رجال.

هو لم يمسك بأذني بالطبع غير أنه بدا لي في عرس البارحة أقل طموحاً مما كنت أظن وأنه بحاجة لبعض الوقت ليجد طريقة ملائمة لتسوية كل ارتباطاته المتشعبة في الداخل والخارج ليستريح .
غير أنه أثناء النقاش ونحن نتوضأ وكان الماء يسيل من مرفقيه كثيفي الشعر بدا لي وهو يتوضأ عجوزاً للغاية أكثر من لهاثه وهو يحاول مجاراتي في البرع.
المهم أن ذلك النقاش المقتضب أثناء الوضوء بين لي أن الوقت الذي يحتاجه علي محسن لتسوية ارتباطاته المتشعبة والوفاء بالتزاماته تجاه الجميع ليس أقل من عشر سنوات.
فقلت في نفسي: سيكون عبدربه قد مات بعد عشر سنوات أو يموت علي عبدالله صالح واليدومي وقحطان والدكتور ياسين أو أموت أنا إذا بقيت أعيش على هذه الوتيرة المنفعلة.

كان خطيب الجمعة معروفاً لدي وأذكر وجهه إذ كان جالساً قبل سنتين إلى جوار علي محسن في زيارة تعارف بطلب من علي محسن وذهبت للحصول على اشتراك للفرقة الأولى في مجلة صيف الثقافية التي كنت أصدرها.
المهم أن الخطيب ركز على الدعوة للتسامح وقيم المحبة وذكر بعضاً من مؤامرات الغرب ضد الإسلام.

كنت جالساً إلى جوار علي محسن وعلي عبدالله صالح في الصف الأول والتفت بين حين وآخر لأبحث عن يحيى محمد عبدالله صالح لأتأكد ما إن كان موجوداً أم أنه لا يزال خارج البلاد يحتفل بأعياد رأس السنة كما ذكرت في مقالتي الماضية.
نزل الخطيب وأقام المؤذن صلاة الجمعة وشعرت كأن الخطيب اقترب مني وأراد أن يهمس لي بشيء لكنه تراجع ليؤمنا للصلاة.

في الركعة الأولى قرأ (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) وفي الركعة الثانية وكأنه لم يقرأ إلا آية واحدة ظل يرددها أكثر من سبع مرات (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين) كان يرددها بإلحاح وفي صوته رنة نذير.
فأخرجت الفاين من جيبي ووضعته على أنفي مدعياً أنني أرعف ورجعت بظهري إلى الخلف ثم توجهت صوب باب المسجد مخترقاً الصفوف بهلع وعنف وكنت مشوشاً تماماً والناس يتنحنحون وأعبر أمام تحديقاتهم الساخطة ألمحها وأنا مركز على باب المسجد وأخيراً تجاوزت الباب وهرولت على بلاط المصلى الفارغ تماماً ووصلت إلى مكان الأحذية في البوابة الخارجية غير أنني لم أجد حذائي الأسود الذي اشتريته ظهر الخميس من نوعية إيطالية أنيقة وكان ثمنه غالياً جداً.. وظللت أدور حول نفسي لا أستطيع الهرب بدون حذائي وكأنني فقدت القدرة على الهرب وكنت أغمغم بارتباك وهلع: أين جاء الشبشب حقي؟ وأكاد أبكي من فرط ما أنا مسمر في المكان وعندها استيقظت من النوم متبيناً أنني على فراشي أتصبب عرقاً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق